عبدالله إبراهيم الكعيد
رأيت مقطعًا في إحدى منصات السوشيال ميديا محتواه عملية إطلاق أحد الطيور الجارحة، وأظن بأنه نسر لضخامة حجمه كطائر.
عملية الإطلاق هذه تمت بواسطة علماء بيئة وحياة فطرية أجروا تجربة على ذلك الطائر مذ كان فرخًا صغيرًا تمت تربيته وتدجينه داخل الأسر.
اختاروا مكانًا مناسبًا لعملية الإطلاق من قفص كبير فتحوا بابه على حافة هاوية كي تشجعه على الطيران بسهولة.
الذين شاهدوا المقطع من المؤكد أنهم اعتقدوا مثلي بأن النسر سيفرّ لحظة خروجه من القفص، ولكن وقع ما لم نتوقعه نحن عامة الناس غير المتخصصين في عالم الطيور والحياة الفطرية. وقف النسر لحظات طويلة حائرًا مدهوشًا، يُدير رأسه ذات اليمن وذات الشمال وكأنه يتعرّف على هذا العالم الجديد بالنسبة له. أخيرًا تحرك فخطا خطوات متعثرة ومترددة، وكلما زادت ثقته بنفسه وشعر بقدرته على المشي أصبحت خطواته أكثر ثباتًا وقوة.
راقب العلماء كل حركة تصدر من النسر باهتمام وتركيز. ردود فعله الأولى في الحُرية بعيدًا عن حياة الأسر. فجأة رفع الطير جناحية وتركهما مرفوعين وكأنه يهم بالطيران لكنه لم يطر رغم جناحيه المفرودتين كمظلة كبيرة الحجم. هيّا كنت أقول وأنا أتابع عملية الإطلاق عبر مشاهدة المقطع وكأن الطائر كبير الحجم يسمعني. لم يستجب لندائي لأنه بحسّه الفطري يعرف الوقت المناسب للانطلاق.
مرّت دقائق طويلة والنسر يذهب يمينًا ثم يسارًا مرّات عدة. كان ينظر للهاوية كلما همّ بالطيران فيكبح رغبته ويعود لحالته الأولى. في كل محاولاته تلك لم يخفض جانحيه ولم يثنِ عزيمته عن تجريب غمار الجديد. أدهشني تردده الطويل رغم فضاء الحريّة أمامه. وأخيرًا طار وحلَّق واستعرض مهارته الفطرية في الطيران. جاب الفضاء طولاً وعرضًا.
السؤال: ماذا لو حلت كائنات بشرية محل ذلك الطائر، أعني تلك التي كانت تعيش تحت حكم أنظمة شمولية ثم فجأة وجد الناس أنفسهم أحرارًا، كما حدث في الأقطار التي كانت تحت قبضة نظام الاتحاد السوفيتي ثم بعد انهيار ذلك النظام تفككت تلك الدول وتشرذمت وفقد الناس اتزانهم وتزعزعت اقتصاديات بلدانهم قبل أن تستقر أحوالهم ومن ثم التعرّف على أنفسهم من جديد.
للمناضل الجنوب إفريقي الراحل نلسون مانديلا مقولة شهيرة عن الحرية فيقول: «أن تكون حرّاً ليس مجرّد التخلص من القيود»، وكتب عن حياة الأسر ومعاناته مع السجّان ما تشيب له الولدان، وكتب بعد ذلك عن حريته وكفاحه بعنوان «رحلتي الطويلة من أجل الحريّة».
نعم.. الحرية بمفهومها الشامل ليست مجرّد الخروج من سجن المكان ولا أسر القيود، بل أبعد من ذلك بكثير، فكم من طليق يرزح تحت نيّر العبوديّة، وكم من حرّ الحركة لكنه مقيّد معنويًا بسبب الخوف وانتهاك الحقوق وظلم الإنسان لأخيه الإنسان.