أحمد المغلوث
اسمه عيسى وفي صغره ينادونه «عويس»، وكان مواطنا بسيطا يعمل في شراء وبيع السماد الطبيعي، وله فى هذا العمل خبرة طويلة وحسب ما يتناقله بعضهم عنه في بلدته الصغيرة أنه عندما كان فتى كان لا يتردد أن يذهب لمزارع الأعيان كل ستة أشهر لشراء ما يتوفر في بساتينهم ومزارعهم من سماد طبيعي، وكان يعرف جيدا أن عمله في هذا المجال يكرهه بعض من الناس بل هناك من يبتعد عنه كأن به جربا.. ومنذ كان شابا وهو مرجع في مجال عمله «النتن» كان يعرف ذلك، ومع هذا لا يهمه ما يقوله الناس عنه ولا يلتفت إلى ما يقوله الناس عنه، إنه متزوج زوجة أخرى في المدينة المجاورة لمدينته الصغيرة في بداية عمله، كان يذهب للمزارع في عربة «قاري» مع قائدها «الحمار» وماهي إلا سنوات وإذا به يشتري سيارة «قلاب» مستعملة يقودها بنفسه ويستعملها في تحميل مشتريات تجار الخضار، ومن الفجر تجده في سوق الخضار يشتري ما يختاره من الخضار والفواكه التي تصل إلى السوق، وبعدها يقوم ببيعها بمكاسب لا تقل عن 100% وأكثر. وقبل أيام استيقظ من قيلولته اليومية المعتادة على صوت زوجته أم فالح فتح عينيه وهو يتملل فإذا بها تقول له: إن أحدهم يطلبه في جواله المشترك بينه وبين زوجته بسرعة رفع الغطا عن جسده وجلس فى حالة من الضعف العام وبحركة آلية قدمت إليه الجوال تناوله وراح يردد.مرحبا مرحبا مين أبوحمد حياك الله بشر عساك وفقت.. أجابه أبو حمد أبشرك وفقت يابوفالح.. اللية جهز فلوسك. ترى البستان فى عين الزبون ولا تفوتك فرصة الشراء. أجابه ولا يهمك كل شيء جاهز حتى عشاكم الليلة عندي وتيس مندي. تطلعت إليه زوجته على مضض وهي تسمع هذه الدعوة المفاجئة مع السلامة يابو حمد وضع الجوال جانبا أجال عينيه فى الغرفة وخطف من زوجته نظرة ثم مضى إلى الحمام وهو يتحسس وجهه ويحمد الله على صحته فهو الآن فى عقده السابع ولم يتغير في شكله عدا انتشار الشيب فى لحيته وحواجبه وبعض من التجاعيد والغضون فى وجهه. أما عدا ذلك فهو شاب يستطيع حتى اليوم بخفة ورشاقة صعود النخلة وخرف الرطب وغير الرطب والآن ها هو اليوم سوف يحقق بمشيئة الله حلمه بالبستان الذي عاتبه صاحبه يوما ما عندما كان يقوم بجمع حبات الكنار المتساقطة من سدرة البستان على هامش نقله لسماد حوش البقر. نعم ها هو اليوم على وشك امتلاكه له شعر بسعادة وغبطة كبيرة وراح يدندن: الحمد لله عندي ماليه عندي ماليه والبستان من الله هدية يا عين مالية يا عينمالية. في المساء وبعض صلاة العشاء حضر أبو حمد وفي صحبته وكيل ورثة صاحب البستان الذي كان ينظر إليه نظرة فوقية وهو غير مصدق أن هذا الرجل الناحل يستطيع أن يشترى هذا البستان العامر بالخيرات، وبهذا السعر الكبير أكثر من مليون ونصف ريال.. تطلع أبو فالح للوكيل بنشوة وصافحه بحرارة وقوة وهو يخفي شغفه بشراء البستان الذي يكاد يقفز من عينيه.. بعد تناول القهوة وتبادل أحاديث مختلفة. التفت الوكيل إليه وهو يقول.. اسمح لنا يا أخ عيسى ولو فيها شيء من الإحراج أخبرنا أبو حمد انك بتحرر لنا شيكا بقيمة المزرعة بس لو فيها كلافة عليك نحب تجي معانا بكرة البنك والاحتياط واجب والورثة حريصون ويخافون على حلالهم، وهذا من حقهم تطلع إليه عيسى أبو فالح في ضيق وهو يقول معك حق، ثم أضاف لكن الرجال مخابر. وأخرج من جيبه كشف حسابه بالبنك لكن ما عليه طالع الرصيد وهو بتاريخ اليوم يا الحبيب بخجل وحياء شديد تناول الوكيل كشف الحساب عندها اتسعت حدقتا عينيه وهو يشاهد الرصيد الذي كان متواضعاً جداً فقط خمسة عشر مليونا لا غير..