العقيد م. محمد بن فراج الشهري
لا يمكن لمجلس الأمن أن يحل أي قضية شائكة يطلب منه حلها مثل قضية شعب فلسطين والفيتو الأمريكي موجود، فكثير من القضايا تلاشت وغابت من دهاليز مجلس الأمن، وكم من قرارات صدرت تدين إسرائيل، وكم وكم وغابت وتلاشت، وكأنها لم تكن، ساعد في ذلك تعاون دول أوروبا كافة مع الفيتو الأمريكي، إذ أن العالم شاهد الصور المروعة، والجرائم التي ترتكب في قطاع غزة من جانب الاحتلال الإسرائيلي، لكن أحداً لم يتساءل (أين حقوق الإنسان التي ينادي بها الغرب)؟ والحقيقة أن هذه الحقوق لديهم كاذبة، وزائفة الغرض منها التدخل في شؤون الدول الأخرى فقط، لسرقة ثرواتها، وتحقيق مصالح الدول الغربية تحت فكرة حقوق الإنسان، وقد تبين بما لا يدع مجالاً للشك كذب الغرب وتدليسه، وانحيازه الأعمى لجانب الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني، وغض بصره عن الظلم والاستيلاء الذي يحدث على حقوق المواطن الفلسطيني، والأمر واضح لكل متابع منصف يرى الحقيقة أمامه، الغرب يكذب ويتنفس الكذب فيما يتعلق بحقوق الإنسان، ويستثمر هذا الكذب من أجل تحقيق مصالحه فقط وادعاء الغرب أنه في حالة حرب مع الإرهاب هو كذب وتدليس بل هو من يرعى الإرهاب ويشارك فيه، ويصمت بشكل كامل عن الأعمال الوحشية، والبربرية في قطاع غزة.. وهو كذلك يعاني ازدواجية في المعايير، فبينما يهاجمون وينتقدون ما يحدث من عدوان روسي على أوكرانيا، يصمتون أمام عدوان إسرائيل على غزة، بل ويدعمونه بشكل غير منطقي على الإطلاق.. أما الفيتو الأمريكي فحدث ولا حرج، إذ أن العجز الكامل لمجلس الأمن الدولي باعتباره الجهة الأعلى المسؤولة عن إدارة شؤون العالم باعتباره هيئة دولية (محايدة) يحتاج إلى إعادة نظر بشكل مُلحٍّ وعاجل في نظام التصويت العجيب المعمول به، والذي يجعل صوتاً واحداً يعادل في قوته أصوات عشرات دول العالم وأقصد به حق النقض الذي لا يسأل صاحبه عن مبرراته، وثانياً في اعتبار قرار يصدر عن الجمعية للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة في نفس الأمر المعروض على مجلس الأمن بمثابة قرار غير ملزم، وبمعنى قانون أقرب إلى الحبر على الورق.. وفي رأيي المتواضع أن واضعي ميثاق الأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية كانوا أمام وضع يختلف جذرياً عما هو عليه الوضع حالياً فعندما تم تأسيس منظمة الأمم المتحدة في العام 1945م كان عدد أعضائها (51) دولة فيما يبلغ عدد الأعضاء اليوم (193) دولة، وعند تأسيسها بعدما أوشكت الحرب العالميةالثانية على الانتهاء، كانت الدول في حالة خراب، وكان العالم يريد السلام فاجتمع ممثلو (50) دولة في مؤتمر الأمم المتحدة حول التنظيم في سان فرانسيسكو، كاليفورنيا بالولايات المتحدة، نظراً لدورها الحاسم في إنهاء الحرب، في الفترة من 25 إبريل إلى 26 يونيو عام 1945م وعلى مدار الشهرين التاليين، شرعوا في صياغة ميثاق الأمم المتحدة ثم التوقيع عليه، بأمل أن تمنع المنظمة الجديدة، نشوب حرب عالمية أخرى مثل التي كانوا قد عاشوها، وما دام تحقيق السلام هو الهدف الأسمى للأمم المتحدة، فإن الواجب يقتضي منها العمل على إزالة أي أسباب يمكن أن تؤدي إلى الحروب، وعلى غض النظر عن مشاعر الظلم لدى بعض الأطراف لصالح أطراف أخرى، واليوم يعمل في الأمم المتحدة بجميع هيئاتها نحو (36) ألف موظف وتبلغ ميزانيتها نحو (14.8) مليار دولار، وأظن أن الواجب يقتضي ضرورة إجراء تعديلات على ميثاق الأمم المتحدة لتحقيق هذا الهدف الذي هو التعامل للمنظمة مع مختلف الأطراف بما يحقق المساواة الكاملة وذلك بأن يصبح رأي الأغلبية هو العنصر الحكم في اتخاذ القرارات طبقاً لحجم الأغلبية وطبيعية القضية المطروحة للتصويت، فليست الأغلبية «البسيطة» كافية لاتخاذ قرارات الحرب والسلام، والإدانة، أو التبرئة، فعندما تصوت (120) دولة لصالح إعلان هدنة لأسباب إنسانية في غزة مقابل (14) يصبح القرار واجب النفاذ ولو باستخدام قوات الأمم المتحدة الدولية، وإذا كانت المادة (27) من ميثاق الأمم المتحدة تقضي بأن يتكون مجلس الأمن من (15) دولة بينها (5) دول دائمة العضوية و(10) دول يتم اختيارها بالانتخاب لتمثيل المناطق الجغرافية المختلفة لمدة عامين، فلا يصح أن يكون أي من الدول دائمة العضوية (أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا، بريطانيا)، متمتعاً بحق النقض إذا كان في وضعية تمنعه عن الحياد، كموقف أمريكا، وبريطانيا المشتركتين مع القوات الإسرائيلية في ضرب المقاومة الفلسطينية وسكان غزة، وبصفة خاصة عندما يكون هنالك إجماع بمثل هذا الحجم من جانب أعضاء الجمعية العامة (120-14) لغرض الهدنة الإنسانية بل ويمكن للدول (مالكة حق النقض) صاحبة المصلحة في قضية ما أن تمتنع عن التصويت، ولا يصبح القرار نافذاً إلا بموافقة (9) أصوات على الأقل، أو على الأقل أن تقدم الدولة مالكة حق النقض الفيتو بياناً وافياً شاملاً بقيمة هذا الموقف في خدمة السلام العالمي، وسيكون الأمر مقبولاً لو تم إلغاء حق انقض واستبدال ذلك بأن تتم مضاعفة الأصوات للدول صاحبة هذه الميزة في الجمعية العامة، على أن تكون مناقشات الجمعية العامة سابقة على جلسة مجلس الأمن كإجراء يمنع جعل إجماع بحجم (120-14) بلا معنى لكونه غير ملزم وهو التعبير المهذب لوصف (الهامشي الذي لاقيمة له).
ختاماً أود أن أقول إنه لن يتحقق الأمن والأمان لمجلس الأمن وهو يسير على هذا العكازات العرجاء والاستسلام الدائم (للفيتو) ولن يتحقق العدل والسلام أبداً إلا بمراجعة وضع (الفيتو) فهو من كرّس المصائب في فلسطين، وفي كل أصقاع المعمورة.. وعلى دول العالم أن تبحث عن حل بدل الانبطاح للفيتو.