عبده الأسمري
في أواخر التسعينيات ظهر تراشق كبير وحرب شرسة بين فرق خرجت من «رحم» التطرف، وتجلت في سماء «التمرد»، واعتلت منصات «الغلو»، ودارت حمي «الوطيس» بين مجموعات حولوا «مواقع» المعرفة إلى معترك لتصفية الحسابات وميدان لتهيئة المغالطات، فمنهم «السلفي» الخارج من دوائر «التشدد» و»الليبرالي» القادم من مدارات «التفكك» و»العلماني» المنفلت من ساحات «الانضباط».
وبعد سنوات من «الجدال» وأعوام من «التجادل» والذي وصل إلى التلاسن العلني استغلت بعض الجهات «الأزمة» لتأهيل فرق في الصف الثاني ليقودوا المراحل تحسباً لدورة الزمن، ولكن هذه «المشادات» ما فتئت أن تحولت إلى «رماد» متراكم تذروه «رياح» الانهزام حتى حجب «الرؤية» عن تلك المواقع التي ظلت في طي «الذكريات» المؤلمة، وشاهدنا تحولات في الخطاب وتغيرات في الحوار وتبدلات في النقاش مع ثورة «الانشغال» واتجاه «المنصات» الثقافية إلى التقنية وتوظيف الموضوعية وإقصاء الشللية واستدعاء النخب والانشغال بموجات «جديدة» جاءت على أجنحة «التغير».
حلت «لعنة» التقنية بكل اتجاهاتها التي تستوجب اللعب في «مسارات آمنة» والحذر من «المنشأ» والاتكاء على «المنجأ، وقدمت على «كفوف «تكتظ بالتغير والتبدل ما بين الظاهر والباطن، وامتزجت بمرحلة من «الغفلة» المقترنة بالركوض في ميادينها هرباً من «جحيم» الروتين واتباعًا لثورة الاستطلاع، فجاءت أجيال في الوسط خلفت أقوامًا كانوا في خلاف واختلاف، وطغت الموجه الإليكترونية لتجذب «المنتظرين» على بوابات «التفكر» بحثاً عن «دروب» متجددة في عالم «الانشغال الذهني» للخروج من بوابة «الذاكرة» المكتظة بإرث الاختلافات.
في ظل وجود الإعلام الفضائي ووسائل التواصل الاجتماعي فإن العالم أمام «مشاهد» تتوارد من كل أصقاع الأرض تحمل في طياتها «الغرابة» و»الاستغراب» و»الدهشة»، وتتباين الأهداف ما بين خطط للتدبير وأهداف للتنفيذ وسط وجود «عقلاء» يفرقون ما بين «شوائب» تتراكم لتشكل عتمة تحجب الفكر وما بين «خيوط» تتماسك لتكون قيمة تستوجب الفخر، وما بين تلك الاتجاهات هنالك «جيوش» مأجورة للنيل من «ثوابت» البشر والتي ينطلقون منها ويعودون إليها كمراسي على شواطئ «الثبات» تقي شر «العواصف» وتحدد هوية «القيم» وتؤصل هيئة «السلوك».
في ظل أجواء التغيرات الحياتية والتبدلات الفكرية يأتي «النظام» ليفرض سلطته في تطبيق اللوائح والقرارات حفاظاً على الأمن والأمان ومنعاً للسلوكيات الخارجة عن «نص» المنطق ووقفاً للنماذج البشرية التي تحاول القفز على أسوار «الخطيئة» وتسخيراً لقوة «القانون» في نشر العدالة ليتمكن البشر من العيش بسلام في ميادين من الطمأنينة ومضامين من السكينة ترفض كل المسالك الخاطئة للوقاية من «المهالك» المتوقعة.
الانفتاح «موجة» تتمخض من موجات «التغير» الحتمية وتتقاطع مع «تبدلات» حياتية تقتضي التكيف مع تحولاتها والتواؤم مع متطلباتها في ظل اتجاهين رئيسين من ضبط السلوك وانضباط النفس حفاظاً على هوية «الإنسان» من الانسلاخ من رداء «القيم»، وإمعاناً في مواكبة «التغيير» بذكاء «نفسي» والتزام ذاتي يمنع الانزلاق إلى منحدرات «التهور» حتى نعكس هيئة المجتمع المتشكلة من أصول «التربية» والمحافظة على فصول «التوجيه» والمتجهة نحو شواهد «التمكين».
عندما شاهدنا القبض على من يدمر «نسيج» الأسرة عبر مقاطع وبثوث تدعو للسخرية استشعرنا أهمية «النظام» في تأصيل معنى «الانفتاح» الحقيقي وأن لا يستغل بعض المأجورين أو المتفرجين خلف صفوف «الهزل» والمنتظرين الهرولة في ميدان «السخف» والقابعين أمام شاشات «البث» التطور والحرية والآراء المفتوحة في الأضرار بالمجتمع بحثاً عن «مشاهدات» بغيضة أو الشهرة على حساب الأسرة السعودية التي تمثل «أنموذجاً» للفضيلة و»وجهاً» للمعاني الحميدة، وليعلم اللاهثون خلف «المال» على حساب «القيم» أنه لا مكان ولا تهاون ولا تخاذل أمام الإساءة لديننا وعاداتنا وتقاليدنا وإرثنا وطبيعتنا، وأن ما يُشاهد ويُنتج في دول غربية أو أخرى في محيطنا العربي لا ينطبق على «مشهدنا» السعودي القائم على الفضائل والمتعامد على القيم.
لقد كفل لنا الإسلام «الحرية» المسيجة بأسوار «الصواب» والمحاطة بخطوط «المنطق» والمنبثقة من ديننا الإسلامي الحنيف الذي رسم للإنسان كل طرق الفلاح وحدد اتجاهات العيش الآمنة ووضع الضوابط لمنع التجاوز ووجه باستخدام العقل وضرورة التبصر والتفكر وأهمية الحذر من التهور والتمادي والوقوع في السوء. وقد وضعت الدولة الأنظمة الكفيلة بالعيش وفق حرية للجميع استناداً على ضوابط وأسس ومنطلقات تحفظ الهوية وتحافظ على السلوك في إطارات من الانضباط المقترن بالضبط والمرتبط بالالتزام لصناعة حياة آمنة مطمئنة قوامها التطور ومقامها الرقي.