د.عبدالرحمن بن أحمد الجعفري
قلّما اجتمعتْ لإنسانٍ الصفاتُ والخُلُقُ الكريم الذي امتاز به أخي وصديقي عبداللطيف بن حمد الجبر «أبو ماهر» غفر الله له ورحمه وأسكنه فسيح جناته، وكم جعل الله له قبولاً بين عباده, لقد استشعرتُ هذه المعاني بالأمس وأنا أرقُب الجمع الغفير ممن شهدوا الصلاة على جثمانه الطاهر والدعاء له، وتوجهوا بعد ذلك إلى المقبرة ليقفوا حول قبره ليودِّعوه، في تزاحُم مهيب معبِّر عن شعور هذا الجمع الغفير بعِظَم الفقد لهذا الإنسان الفذ، فكلهم يودُّون التعبير عما يشعرون به نحو هذا الإنسان النبيل من مودة وإكبار؛ تقديراً وعرفاناً له على ما قدَّمه لوطنه وأهله والناس.. كل الناس.. الذين عرفهم أو سمع عنهم في حياته دون تمييز.
كان الوطن الكبير عزّه وفي أعماق نفسه، والأحساء معشوقه، وهي مسقط رأسَيْنا كلَيْنا، فقد نشأنا في أسرتين معروفتين في الأحساء، وجمع بين أسرتينا تقدير واحترام وتزاوُر متبادل عبر السنين، وكان كلٌّ منا يشعر بمودة خاصة عندما يلتقي الآخَر، إذ سمعتُ كثيراً عن «أبي ماهر» وأسرته الكريمة وأعمال الخير التي كانت عنواناً لها بقيادته وحُسْن تدبيره، غير أني لم تربطني به صداقة خاصة إلا بعد أن التقينا في الدورة الأولى لمجلس الشورى، وبالتحديد في لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية في العام 1414هـ، ومن اللقاء الأول شعرتُ كأننا نعرف بعضنا منذ زمن، بل كأننا نشأنا في الحي نفسه، وربطتنا مودة وصداقة ومحبة وتقدير خلال واحد وثلاثين عاماً.
خلال تلك السنين الطويلة كنا على تواصُل دائم، وحتى في أسفاره كان يتصل بي ويحثني على مصاحبته إنْ كنتُ أستطيع، وكنتُ أستشيره ويستشيرني وأجد فيما يشير به صوابَ الرأي وحنكةَ رجل الأعمال المجرِّب الخبير، ورجل المجتمع العارف بمجتمعه، والإنسان المحب للخير، الكافِّ العافِّ عن لغو الكلام وسفاسفه، ولم يحدُث يوماً خلال تلك العقود الثلاثة أن اختلفنا.
كم كنا نتبادل الآراء ونناقش كلَّ الموضوعات التي تهمُّ الناس، فهو مسكونٌ بحب الوطن كلِّ الوطن، وبخاصة الأحساء مسقط رأسَيْنا، وعشقُه للأحساء وغيرتُه عليها وعلى أهلها ليس لها حدود، وأبو ماهر -رحمه الله- مِنْ أقرب الناس في تمثيل شخصية الإنسان الأحسائي رَحْب القلب الطيِّب الودود.. سبحان الله الذي مَنَّ عليه بقدرة فائقة على كَسْب القلوب, فهو يُشعِرك بأنك أقرب الناس إليه؛ لشخصيته الودودة ودماثة خُلُقه وتواضعه.
ومما امتاز به وعُرف عنه -رحمه الله- حب العطاء من جهده ووقته ومن ماله، وقد عمل مع أفراد أسرته على تأسيس «جمعية الجبر الخيرية» وهي من الجمعيات الخيرية المانحة، وترأَّسَها وكان يستشير ويسأل عن المشاريع ذات النفع العام التي يمكن أن تقوم بها الجمعية أو تقدِّم العون لها، وتنوعت أعمال ومشاريع تلك الجمعية من إسكان المحتاجين إلى التعليم والثقافة والصحة إلى العناية بالقرآن الكريم وبناء المساجد... وغيرها، لقد جعل تلك الجمعيةَ من أكثر الجمعيات الخيرية عطاءً وتميزاً ومنفعةً للناس في الأحساء، ويمتدُّ عطاؤه ليشمل الوطن كلَّه، فحبُّه للوطن يفُوْق الوصف.
وإلى جانب حب «أبي ماهر» للعطاء للناس والمشاريع الخيرية، كان يجتهد في تكريم كل مَنْ خدم الوطن، وشكرهم على ما قدَّموه، ولاسيما مَنْ انتهت مدة تكليفه بمسؤولية معيَّنة، مثل تكريمه لأعضاء مجلس الشورى عند انتهاء الدورة التي عملوا فيها وأنجزوا ما فيه الخير للوطن والمواطن.
ولم تشغَله أعماله الكثيرة ومسؤولياته الجمَّة عن حبه وعطائه للأصدقاء والأهل، فكانت المناسبات فرصةً له لأنْ يختص أصدقاءه ومعارفه بهداياه الطيبة المتنوعة، ومنها النفيس من الطِّيْب والأقمشة ومما تجود به أرض الأحساء من محصولات زراعية..
واليوم، ونحن نودِّع قامة سامقة من قامات الوطن، رجل المروءة والنخوة والجود، ليس لنا إلا أن نقول: غفر الله لك ورحمك يا أبا ماهر وأسكنك فسيح جناته، وألهمنا وأسرتَك الكريمة وجميع محبيك الصبر والاحتساب، وجعل ما بذلتَه في عمل الخير شفيعَك يوم العرض والحساب، لقد تركتَ مآثرك الخيرة على امتداد وطنك الذي أحببتَه، وعند أهلك ومحبيك.. كنتَ شعلة مضيئة للخير والعطاء بقلبك الكبير وروحك النقية الطيبة.
فقدُك كبير والمصاب برحيلك جلل، فقد تركتَ فراغاً يصعُب ملؤه، وإلى أن نلتقي -إنْ شاء الله- في مستقر رحمة الله في جنات النعيم.. وداعاً يا صديقي..
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.