علاء الدين محمد فوتنزي
احتفل العالم يوم 18 ديسمبر كما في كل عام باليوم العالمي للغة العربية، وهو يوم مخصص للتأكيد على أهمية اللغة العربية كأحد أبرز رموز التراث الثقافي للإنسانية. واللغة العربية ليست مجرد وسيلة للتواصل بين البشر، بل هي جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والتاريخ العظيم للعالم العربي. يتيح اليوم العالمي للغة العربية فرصة لتسليط الضوء على التحديات التي تواجه اللغة وكيفية الحفاظ على تراثها اللغوي. ويركز اليوم العالمي للغة العربية هذا العام على مساهمات اللغة العربية في التنوع الثقافي واللغوي، وفي توسيع آفاق التنوع الثقافي خاصة في مجالي الفلسفة والشعر وإبراز أهمية اللغة في إجراء حوار اجتماعي بنّاء بين الثقافات بعيداً عن الشكوك والاضطرابات.
ثيمة «العربية: لغة الشعر والفنون»، اختارتها منظمة الأمم المتحدة لتكون العنوان الرئيس لاحتفالية اليوم العالمي للغة العربية لهذا العام 2023 وذلك تجسيداً لما للغة العربية من تأثير كبير على الفن والأدب، وهي منبع إلهام لكثير من الفنانين والشعراء في العالم العربي وخارجه. يتزامن الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية لهذا العام مع الذكرى الخمسين لإعلان اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة، ولهذا السبب اختارت اليونسكو أن يكون شعار الاحتفال هذا العام هو «العربية: لغة الشعر والفنون». ويهدف الاحتفال بهذا اليوم إلى إبراز أهمية اللغة العربية في تشكيل المعارف، والتحولات المجتمعية من خلال الشعر، فضلاً عن تأثيرها في الفنون، مع تعزيز التنوع الثقافي والحوار بين الثقافات. إذن هل يكفي للغة العربية يوم عالمي واحد للإشادة بها وبتاريخها؟ لا يكفي طبعاً، لنجعل اليوم العالمي يوماً للتذكير بمهامنا الحضارية ويوماً للتوعية، هناك يوم نسمّيه يوم الأمّ فهل نجعل لأمنا يوماً واحداً في العام ونهملها سائر الأيام؟ هذا غير مقبول.
ومن الجلي أن اللغة العربية أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة، وتضيف اللغة العربية العديد من الأبعاد الثقافية التي توثق تاريخ وحضارة العرب وتفتح الجدل في مختلف المجالات الفنية والأدبية. فاللغة العربية تعبر عن تجربة ومنجزات الإنسان العربي وتعزز الهوية الثقافية والوحدة العربية. وتساعد اللغة العربية على الحفاظ على الأدب والفنون العربية التقليدية وتعيد إحياءها بطرق حديثة، وتعزز تفاعل العرب مع الثقافات الأخرى في العالم. وبما أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم وهي مصدر لبناء الكثير من الفنون والأدب الإسلامي، فإنها تعتبر أساساً حاسماً لفهم الأسس الروحية والأخلاقية والإبداعية في الثقافة الإسلامية.
دور اللغة العربية في الأدب والثقافة
اللغة العربية هي إحدى اللغات العريقة والمتميزة، وتعتبر من أبرز اللغات التي أثرت في الثقافة العالمية، حيث تمتلك تراثاً ثقافياً غنياً ومتنوعاً يضم الشعر والنثر والفلسفة والتاريخ والدين والأدب العربي القديم والمعاصر. وترتكز الحضارة العربية والإسلامية على اللغة العربية بصورة بارزة وذلك أن اللغة العربية قبل نزول القرآن الكريم كانت لغة شعر ونثر، لا تتجاوزهما إلى إبداعات أخرى أو فنون متعددة، لكن نزول القرآن الكريم باللغة العربية دون غيرها من اللغات أهّل اللغة العربية لتكون لغة حضارة تعتمد على العلم والفكر والأدب فكانت لغة تنتقل إليها حضارات الهند وثقافة اليونان وعلوم العصر السائدة فى القرن السادس الميلادي، ثم حدث التطور الهائل للغة العربية بفضل هذه الثقافات العالمية المتعددة فأبدع علماء العرب من مختلف الأجناس وأحدثوا علوماً عصرية رائعة أضاءت جنبات العالم وأسست لحضارة عالمية عصرية متقدمة كانت ولا تزال رافداً زاخراً للحضارة الإنسانية العالمية المعاصرة والتى قال عنها أحد المستشرقين «لولا الحضارة العربية والإسلامية لتأخرت الحضارة العالمية المعاصرة عدة قرون، ويستهدف هذا البحث تجلية دور اللغة العربية فى الحضارة العربية والإسلامية وكيف تمكنت هذه اللغة من استيعاب الحضارات العالمية السابقة عليها وإبداع علوم وفنون جديدة باللغة العربية التى أصبحت عماد ولسان هذه الحضارة.
مؤخراً ظهرت هناك على الساحة الدولية مسميات ومفاهيم جديدة مثل: العولمة أو العوربة أو الكوكبة أو الكونية وكلها مسميات جديدة تشهدها الساحة الدولية لتبشر بميلاد عالم جديد يعتبر قرية كونية.. منذ زمن بعيد قال المفكر العربي: العالم قريتي وأن أفعل الخير ديني، وفكرة العالمية وتعاون الجنس البشري هي فكرة مسبوقة بدعوة الإسلام العالمية للبشر جميعاً لأنه الدين الخاتم، رحمةً للعالمين، ولذلك أثره الواضح على اللغة العربية من جوانب عدة يكشفها البحث إلى جانب علاقة العربية باللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والروسية والصينية مما يعتبر تطوراً مناسباً في علاقة المنظمة العالمية بشعوب العالم، واعتبار الأمم المتحدة يوم 18 ديسمبر من كل عام يوماً عالمياً للغة العربية للتأكيد على دورها في صنع الحضارة الإنسانية وهي تمثل مبادرة حول التعدد اللغوي والتنوع الثقافي والترويج لاستخدام لغات العالم الست الرسمية في الأمم المتحدة.
قدسية اللغة العربية وطرق الحفاظ عليها
للغة العربية أهمية بالغة وقدسية جلية فهي الأساس الذي بنيت عليه الحضارة العربية كما أنها اللغة الوحيدة التي تحتفظ بتاريخها اللغوي والنحوي وسأذكر هنا بعضاً من الأساليب التي يمكن استخدامها للحفاظ على اللغة العربية في عدد من النقاط:
- التكاتف والتعاون بين مجموعة من المؤسسات العلمية والثقافية والسياسية بهدف رفع مستواها العلمي الخاصة بالأمة، وهكذا ستصبح اللغة العربية اللغة الرسمية في البلاد.
- نشر الأدب العربي: يجب دعم الأدب العربي ونشره وترجمته إلى اللغات الأخرى، حتى يتعرف العالم على التراث الثقافي العربي.
-العمل بهدف بث حركة لغوية متطورة وفعالة وجيدة تجعل اللغة العربية لغة العلم والأدب والحضارة، بما يجعلها قادرة على استيعاب المصطلحات، والمفاهيم، والألفاظ العلمية التي تؤهل الأبناء على الإبداع والابتكار والمنافسة.
- الحفاظ على المصطلحات العربية: يجب الحفاظ على المصطلحات العربية وعدم ترجمتها إلى لغات أخرى، حتى يتم الحفاظ على خصوصية اللغة العربية.
- خلق إطار عربي قادر على توطيد الصلات الأدبية والعلمية والفكريّة بين العلماء الذين ينتمون للعرب في جميع التخصصات.
- التنقيب عن جميع المخطوطات العربية، ومحاولة إحياء جميع المصطلحات، والألفاظ والمفاهيم العربية الموجودة فيها.
- ترجمة جميع الدوريات، والحوليات حديثة العهد، ثمَّ نشرها على نطاق واسع بهدف الانتفاع منها عبر الأجيال القادمة.
- بناء سياسة واضحة وهادئة ودقيقة في مجال التعريب الذي بدأت فيه دول الجزائر ومجموعة من البلاد العربية خلال السنوات الماضية.
- التشجيع المادي للمختبرات العلمية التي تتناول البحث في قضايا المصطلحات والمفاهيم والألفاظ العربية، ثمّ جلب الكفاءات العلمية الضرورية لها.
- إمكانية تأسيس مجمع لغوي تحت رعاية عربية موحدة يطلق عليها المؤسسات اللغوية القطرية، بالإضافة للكفاءات العلمية المتخصصة والمنوعة والقادرة على إنجاز معجم عربي جديد كامل متكامل.
- دعم الأبحاث اللغوية: يجب دعم الأبحاث اللغوية واللغويين، حتى يتم الحفاظ على تطور اللغة العربية وضمان استمراريتها في المستقبل.
وفذلكة الكلام، لغتنا العربية من أهم اللغات التي كانت وستبقى لقرون عديدة بسبب انفتاحها الدائم على الحضارات والثقافات مع توجهها الدائم نحو المستقبل والتي تزخر بها حياتنا. لذلك يجب الحفاظ عليها ومكانتها بين اللغات الأخرى.
** **
محاضر في قسم الماجستير والبحوث للغة العربية، كلية السنية العربية كاليكوت - الهند