ناهد الأغا
في زوايا مختلفة ومتباعدة، من مساحات الوطن الشاسعة، وعندما تتصفح بتمعن وفخر متوازيين، تقرأ سطوراً زاخرة في صفحات التراث والإرث الخالد المجيد، والجميل ببريقه في كتاب الوطن المُطرز بكبرياء الفخر والعزة بما حباه الله عز وجل من جمال طبيعة، ووعي أبناء ومنجزاتهم، وثقافة عميقة بعمق تاريخ هذه الأرض، التي أورثها الله إياه.
وفي ثنايا البيئة الحجازية ومدنها وساحاتها ظهر الفن الجميل بحركاته المتناسقة، المقترن بالأفراح والسرور بين الناس، ومناسبات اجتماعية التقوا عليها، وبهجة وطن عندما يحل الفرح ضيفاً عزيزاً وكريماً بأرضه في الأعياد العزيزة كافة والمهرجانات والاحتفالات الرسمية، فتُرسم اللوحات البهيجة بألوانها الزاهية مع اللوحات الشعبية السعودية الأخرى، فتكتمل صورة وطن بأبهى حلته، فتكامل وتعاضد أبنائه من كل بقاعها.
شعورٌ في النفس، يظهر جلياً، ما أن رأت العين صوراً زاهية للأداء الرفيع، وسمعت الأذن الألحان والكلمات الشجية لرقصة المزمار الشعبية، العابرة عبر عقود متتالية من الزمن، والمتنقلة من جيل إلى جيل، ولم تغب منذ أن ظهرت كفن شعبي حجازي سعودي أصيل حتى يومنا الحاضر، فغدت شاهداً حياً نابضاً وصاحبة حضور لا يمكن اكتمال البهجة دونه.
قوة بالحركات، والانفعال بتحديات بمن هو أكثر بسالة، كانت في بداية أمر يعترض العامة فيتحاورون من منطلقات القوة، ما لبث وأن صيغت منه الجزلية، ذات الجزالة والقوة في الكلمات والألحان والأداء، والحركات الرشيقة الشيقة مُضفين لِعِبْاً بالعصا بمنتهى الجمال والرقي، متلازمة مع الإيقاعات العذبة، التي تلتحم بغناء ((الزومال)) الجماعي، محدثاً أجمل الأصداء وأنقاها وراسمة أجمل اللوحات.
فن وظاهرة شعبية ولوحة وطنية وتراثية، جديرة بالاهتمام والاحترام الرفيعين، مِن قبل جميع الجهات والفئات محلياً وعالمياً وما إدراج منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة ((اليونسكو)) لرقصة وفن المزمار ضمن لائحة التراث العالمي غير المادي إلا تأكيد وتكريم لهذه اللوحة والتظاهرة الفنية التراثية، التي عكست هوية مدن وسكان مكة المكرمة وجِدة والطائف والمدينة المنورة، منطلقة منها إلى سائر المدن لتكون لوحة سعودية بامتياز، مرتبطة بأرض صلبة ثابتة وشخوص عشقوا ثراها الغالي والعزيز في وجدانهم.
فن وتراث ومهارة وافتتان ورواسب ذكرى تلاحمت بزمان ومكان، من أجمل وأدق الأوصاف والتعابير لهذه الظاهرة الفنية الأنيقة والجميلة، وصف تعدى حدود عنوان الكتاب، الذي ألفه المؤرخ عبدالله محمد أبكر، فحق لهذا الموروث أن تُسطر مؤلفات خاصة به، وأن يذكره مؤرخون ومختصون، تناولوا ذكر هذه البلاد، ومدنها وتراثها، ومآثرها، وما تناقلته الأجيال في هذه البقاع من الأجداد إلى الآباء، ومن الآباء إلى الأبناء والأحفاد، طبقة تلو طبقة، وجيلاً تلو جيل، وزمان يعقبه زمان، لا تزال فيه ظواهر ماثلة، يزداد ألقها كلما مضى عليها الوقت.
فعلى هذه الأرض المُباركة، ما تُخلده الحياة، وتسطره العقول والقلوب، ملاحم خالدة في جدار الكبرياء المجيد، في روايات الوطن الحي النابض بتدفق لا يعرف التوقف، والذي يعزف فيه أبناؤه البررة أعذب ألحان الظفر والبهجة في سماء عزة لا تعرف الضيم ألبتة، في أفراحك وبهجتك يا أرض الخير والكرامة والإباء أرض المملكة العربية السعودية الشماء، سائلة المولى جلت قدرته أن تبقين مزدهية الألوان، ودائمة السرور، وتعلى الأفراح والمهرجانات المحتفية، وترسم اللوحات الشعبية البهيجة دوماً.