د. أميرة حبارير
استوقفنى لقبه الثعلب العجوز مع رؤيتى لصورته المشهورة إعلامياً وسياسياً لما يمتلك من «مزيج» جنسيته الألمانية اليهودية الديانة، متحدين معاً فى أنه يمتاز بالمطر الزائف الذى يحوي الخوف الدفين من ماضيه، فيما نعرفه عن ذلك العصر للعناصر اليهودية، وقد ذكرني رغم اقتنائي كتاب «إذا كان هذا إنساناً» للكتاب والشاعر الإيطالي اليهودي بريمو ليفي، إلا أنه بين ما جرى من إبادة واسعة النطاق ليهود أوروبا الشرقية بالدرجة الأولى على يد النازيين الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، فهل رأى ما يُكرره التاريخ اليهودي بفلسطين وأهل غزة الآن، بفعل أفكار الثعلب العجوز.. «مجرم الحرب» و»الساحر» اليهودي الذي كرّس عبقريته لتدمير بلاد العرب، بجنسيته الأمريكية الشيطانية، الذي يتحمل مسؤولية مقتل 900 ألف مدني في كمبوديا ولاوس.. صاحب سياسة «الحرب بعنف»، حتى أمطرت الطائرات والمدافع الأميركية كمبوديا ولاوس بنحو 2.8 مليون طن من المواد المتفجرة، ليستحق لقب بل ألقاب أقدم مجرم حرب على قيد الحياة بالعالم، وإبادة جماعية، هي سياسة الماسونية والصهيونية على يد نيتنياهو حالياً ومن قبله شارون في إحراق وتدمير أرض غزة أكثر عواصم العالم اكتظاظاً بالسكان، وقتل وإعدام الآلاف ببنغلاديش، وحروب الهند الصينية وعملية (سبيدي إكسبرس)، التي قتل فيها أكثر من 11 ألفاً من المدنيين في منطقة كين هوا، ويده ملطخة بقتل مسؤول دستوري رفيع في (تشيلي)، بل وتصفية رئيس (قبرص)، وتسهيل ودعم حملات الإبادة في تيمور الشرقية، وخطف ثم اغتيال أحد الصحفيين في واشنطن دي سي.
إنه الماكر الذي فتحت نظارته بما يمتلك من ألاعيب نفسية ارتكزت علة ما تُخفيه نظرات الشك والريبة والخوف والتآمر من تكرار ما عاشه كيهودي، وكأن ما وصف أليغري دانتي رحلة إلى الجحيم شعراً في كتابه «الكوميديا الإلهية»، يُصور حياة شخصية عارية من الناحية النفسية السيولوجية المتناقضة في اللاوعي الإنساني من حياة متعمقة بالحزن والإنهيار ودلائل الفقد والحرمان منذ أن وُلد كيسنجر أواخر مايو 1923 بألمانيا من أسرة يهودية هاجرت عام 1938 إلى أميركا، وخدم خلال فترة الحرب العالمية الثانية (1939-1945) في الجيش الأميركي، ونال عام 1943 الجنسية الأميركية، والأهم ها هنا أن كل معاناته من الاضطهاد الألماني ليهوديته ظلت راسخة للتدمير فوظّف عبقريته في خدمة مصالح أميركا وتكريس هيمنتها وترويج سياستها، وتحطيم سور الصين الدبلوماسي، كما خدم إسرائيل وأنقذها من الهزيمة في حرب أكتوبر 1973، حتى وصف بـ»عراب البراغماتية ورائد الواقعية السياسية»، كل ذلك من كبر أذنيه كالثعلب المُترقب فعلاً، لسماع وسماع المزيد والمزيد من الأفكار والكلمات الرنانة ليُحلل ويبتكر ويكتب أجندات تنفذها مراكز التفكير في حكومات دولية متآمرة وكلهم في جملة نحنُ ومن ورائنا الطوفان، دون أن يعوا أنهُ لاحقهم وأنهم مغرقون به لا محالة..
إنه خليط بين دراسة الحسابات والفنون والتربية والسياسة، مشتت الذهن إلا في القوة التدميرية الفكرية، كما نراه لاعب شطرنج مشتتاً، مما يوضح وجود شخصية «قلوقة جداً»، تسعى إلى معرفة جميع المجالات بشتى الطرق سعياً منه إلى اتساع مداركه الشيطانية للزحف وراء دراسة «ميكانيزمات» أعدائه والإيقاع بهم، وما يؤكد ذلك ما ذكره الجنرال أندريه بوفر القائد العسكري والمفكر الاستراتيجي الفرنسي الأشهر، من أن مشكلة هنري كيسنجر أنه مثل لاعب شطرنج يلعب بكل قطعة في نفس الوقت، إنه يقوم بألعاب كثيرة لا يستطيع متابعتها فضلاً عن إتمامها إلى النهاية، فتجد التحركات عليها واسعة، مفتوحة لكل الاحتمالات، وهو غير قادر على أن يحقق الفوز النهائي بحركة أو حركتين يركز عليهما». وبدليل آخر أنه عمل مستشاراً، لمدير مجلس الاستراتيجيات النفسية، رغم أنه كان حينها طالباً في الدراسات العليا. فخدم السياسة البراغماتية الأميركية على مدار 100 عام عاشها، بدماء وحروب في كل مكان. ولم ينتبه لما سيكون له بعد الموت.. معترفاً في حياته المعقدة ذات مرةٍ: «لو لم أكن يهودياً، بصدفةِ الولادة، لكنتُ معادياً للسامية». لتنتهي حياته كحياة غيره تاركاً تاريخاً، ملوثاً بالدماء من صناعة الجحيم التي تتجاوز حدود جحيم دانتي.. فأفكاره لا تعرف السكينة، ولا يزال أطفال غزة يُصارعون من أجل كسرة خبز، ويموت شعب فلسطين بسبب «نعم» أو «لا».