د.محمد بن عبدالرحمن البشر
من المجمع عليه أن المنطقة تعيش تحديات أمنية كبيرة، وأنها من أشد مناطق العالم سخونة، إن لم تكن أسخنها، وعيون الدول دائمة النظر إليها، بسبب ما حباها الله من خيرات، وأيضاً موقعها الجغرافي الهام، كما أنها مهد التاريخ والثقافات القديمة، التي كانت الركيزة الأساسية لما يعيشه وعاشه العالم من تقدم علمي هائل ومتسارع في جميع النواحي.
المملكة العربية السعودية ودول الخليج ولله الحمد تنعم بالأمن والاستقرار والرخاء، وتلاحم القيادة والمواطن، والمملكة العربية السعودية لديها مكتسبات سياسية واقتصادية واجتماعية هائلة، كما أن بالمملكة قبلة المسلمين، والحرمين الشريفين، وهذا يشكل مسؤولية كبرى، يلزم معها الحفاظ عليها، والذود عن كل ذلك بكل ما هو ممكن، وهو ولله الحمد ما تحقق ويتحقق، وسوف يستمر بإذن الله، فالمفاجآت في هذه الدنيا لا تنتهي، والاحتراز ضرورة، والأخذ بالأسباب واجب، يقول الشاعر زهير بن أبي سلمى:
وَمَنْ لَمْ يَذُدْ عَنْ حَوْضِهِ بِسِلاحِهِ
يُهَدَّم وَمَن لا يظلِمِ النّاسَ يُظْلَمِ
والأقرب عندي للصواب أن قصد الشاعر بقوله ومن لا يظلمِ الناس يُظلمِ، أي حتى وإن لم يظلم الناس، فسوف يبتلى بمن يظلمه، وهذا التفسير يختلف عما هو في كتب الشروح القديمة والناقلين لها لأن زهير شاعر حكمة وداعية للسلام.
وعالم اليوم ليس كعالم الأمس، فلم يعد القتال، بالسيف، والرمح، والسهام، وإنما بالطائرة، والدبابة، والصاروخ، والمسيرة، وغيرها من المعدات العسكرية، كما أن الإعلام يلعب دوراً كبيراً في توجيه الدفة هنا أو هناك، وقد تعددت أدواته وأساليبه، بعد أن كان الشعر هو الأداة الإعلامية المتاحة، والفاعلة، والقادرة على التأثير، والتحفيز، ونقل الحقيقة، أو تزويرها، وتاريخ الأحداث الحقيقية أو المزيفة، أو المبالغ فيها، ألم نقرأ شعر عمرو بن أم مكتوم، الذي يقول:
مَلأْنَا البَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا
وَظَهرَ البَحْرِ نَمْلَؤُهُ سَفِيْنَا
إِذَا بَلَغَ الفِطَامَ لَنَا صَبِيٌّ
تَخِرُّ لَهُ الجَبَابِرُ سَاجِديْنَا
أو قول المتنبي في كافور:
تَرَعرَعَ المَلِكُ الأُستاذُ مُكتَهِلاً
قَبلَ اِكتِهالٍ أَديباً قَبلَ تَأديبِ
لكنه مع كل أسف محا كل ما سطره من مديح لكافور، بأشعار هجاء تجاوز فيها كل محذور.
لقد اشتمل الإنفاق العسكري السعودي على نسبة أكبر من الميزانية، كما أن جزءاً كبيراً منه سوف يوجّه إلى التصنيع، لرفع مساهمة الإنتاج المحلي من متطلبات الاستعدادات الدفاعية الأمنية، ولا شك أن الأحداث الجسام التي حدثت وتحدث الآن توضح أهمية الإنتاج المحلي من المتطلبات الأمنية، لتلافي القيود، وأيضاً توفير ما يلزم بالسرعة والكمية المطلوبة، ويبدو أيضاً أن ضعف الالتزام بالقوانين الدولية، والكيل بمكيالين، قد تدفع بعض دول المنطقة، ومناطق أخرى إلى التفكير بحماية نفسها من خلال قدراتها ومواردها، لهذا حرصت المملكة أن تكون متمكنة من الدفاع الشرعي عن نفسها، وهو الحق المشروع لها.
التقنية العسكرية لم تعد مدفعاً، ودبابة فقط، إنما أصبحت أكثر من ذلك بكثير، فهناك الطائرات التي تتمتع بقدرات فائقة، والمسيرات المتنوعة والتي أظهرت فاعليتها في حروب قائمة، والعالم يتسابق على تطويرها، وهي تعتمد على العقول القادرة على الإبداع في تصنيع نسخ ذات فاعلية عالية، ووزن قليل، وسرعة، وقدرة تدميرية كبيرة، أو رصد وتحليل الصور التي تحصل عليها بكفاءة كافية، وهناك الكثير من القنابل المخترقة والتحصينات العميقة في الأرض بعشرات الأمتار، وهذه القنابل تستخدم اليورانيوم المنضب، ومن المؤسف أنها استخدمت في مناطق بالشرق الأوسط، واستخدمت حديثاً ومازالت تستخدم في بلاد أخرى، وهناك أقمار صناعية للتوجيه، وأخيراً تم استخدام الذكاء الصناعي، ويبدو أنه سيكون فاعلاً رئيسياً في الحروب القادمة، وربما يتم إثارة بعض الحروب المحدودة لتجربتها على الواقع، ومن المؤسف أن منطقة الشرق الأوسط مهيأة لمثل ذلك.
في ظل هذه الظروف أصبح من الحكمة القفز بالصناعة الحديثة للدفاع عن الوطن، وهذا لا شك أنه يتطلب كوادر علمية وطنية كثيرة، في تخصصات مختلفة، ولم يعد في مقدور أي دولة القيام بالدفاع عن نفسها دون تطوير صناعاتها الدفاعية المحلية، والواقع أن العقول ستصبح هي السلاح الحقيقي لصنع السلاح المادي المتطور الذي يتم توجيهه بالبرمجة البشرية، أو استخدام الذكاء الاصطناعي المتطور.
الدول لم يعد في مقدورها الاعتماد على استيراد السلاح فحسب، لكن لابد من صناعات محلية بنسبة ملائمة، وهذا أيضاً يوفر فرصاً وظيفية للنشء، كما أنه يحافظ على العملة الصعبة، ويخلق بيئة إبداعية لأبناء الوطن، وربما يكون هناك تصدير يساعد في جلب العملة الصعبة.
المملكة دولة محبة للسلام وتسعى له، كما أنها تساعد في حل بعض القضايا، في المنطقة وغيرها، وهي تحرص على أن يعم السلام العالم أجمع، لكن ذلك لا يمنع من أخذها الاحترازات اللازمة من خلال أخذها بالأسباب، ومنها قوة الردع الكافية لمن تسول له نفسه المساس بأرض الوطن، أو النيل من مكاسبها، والمملكة تعتبر الحلول السياسية هي أسلم الوسائل لحل النزاعات، كما أنها تؤمن أن الالتزام بالقانون الدولي هو الضمانة لسلامة العالم، ونشر السلام فيه، وديمومتها لأجيال متعاقبة.