أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: لو أدرك الإمام أبومحمد موسوعات النحو التي ألفت بعده كـ (شرح الخلاصة) للشاطبي؛ لعلم عظم فضل النحو.. ولا ريب أن المراد معرفة المقدار الضروري من كل فن، ولكن المقدار الضروري من علم النحو لا حد له؛ وإنما يجعل له حداً التوسع فيه؛ لتحرير الأسفار من فضوله، ووضع القواعد والنماذج الكافية لتفسير القرآن، والحديث، ونصوص الشعر والأمثال المخالفة المتعين من مراد المتكلم.. والكتب التي ذكرها أبومحمد موجزة لا تمنح القارىء فقهاً نحوياً.
*** من التناقضات الوجودية والحكمية:
قال أبو عبدالرحمن: في العقل، وفي النفس التي هي (مشاعر القلب)، وفي الطبيعة (خارج النفس): أمور متعارضة حمل الماركسيون تعارضها على التناقض؛ والتناقض يحتم صراعاً يزول به أحد المتناقضين.. ومن أقطاب الماركسييين (موس كافين)، و(جي يبس)، و(جورج بولينزر) الذين بنوا فلسفتهم على دعوى تلك المتناقضات في كتابهم (أصول الفلسفة الماركسية)، وهكذا فعل زعيمهم (ستالين) في كتابه (المادية الجدلية والمادية التاريخية).. والمادة الجدلية تعني صراع (نفي النفي) المستلهم من الهيام الهيجلي.. ومثل هذا في كتاب (الكراسة الشيوعية) لزعيمهم الشرقي (ماوتسي تنج).. وبعض هذه الكتب ترجم قديماً؛ ولقد أفرغت مكتبتي من ركامها، ولم يبق إلا ما قمشته منها في كناشتي، ولم آس إلا على أسفار (لينين) عن الفن التي فرطت فيها؛ لأنه عسر علي فهمها، ثم إن طلبتها الآن: فتعذر علي؛ لتعذر وجودها.
قال أبو عبدالرحمن: في العقل أفكار متناقضة، وهكذا غرائز النفس، وهكذا مشاعر القلب، وهكذا أحوال الطبيعة الخارجية.. هي تناقضات وجودية لا حكمية؛ وهي متناقضات غير محالة؛ فليس من المحال أن أقول مخبراً لا حاكماً: (في عقلي أفكار تحتمل أن هذا الذي أراه إنما هو جدول ماء غزير منساب، وتحتمل أنه سراب إذا جئته لم أجده شيئاً.. وفي نفسي غريزة تريد البطش والعدوان، وفي نفسي غرائز الحب والصبر والتسامح.. وفي قلبي مشاعر فرح وبهجة، وفيه مشاعر ترح وانقباض.. وفي الطبيعة رجال في شراسة السباع المتوحشة، وفيها رجال على صفة ديوثة الخنازير القذرة).. كل هذه متناقضات بلا ريب، وكلها موجودة متفرقة بلا ريب، وليست محالة ألبتة؛ لأنني لم أحكم باجتماعها أو ارتفاعها؛ وليس عندي ثالث غير مرفوع؛ فقولي (في البشر الحياة والموت) وأنا أعني حقيقة معناهما لا مجازه: خبر عن وجودين متناقضين غير مجتمعين؛ فذلك خبر صادق لا إحالة فيه، ولكن التناقض في الحكم الجمعي حينما تقول: (زيد الآن لا حي ولا ميت) وأنت تريد حقيقة معناهما؛ فهذا محال لا يستطيع العقل تصوره، ومحال أن يكون موجوداً بهذا الجمع كما يستحيل أن تقول: (هذا الخنزير الآن ليس قذراً ولا طاهراً، وليس غيوراً ولا ديوثاً)؛ إلا أن الغيور والديوث كانا في آن قصير لا يظهر به أحد الحالين؛ فالحاكم بأحدهما بان على علمه بطبيعة الخنازير، وغير العالم صامت عن الحكم وهو يعلم أنه: إما كذا، وإما كذا.. كما يستحيل أن تقول: (هذا الرجل تجاه ذلك الرجل معني به وغير معني به الآن، باطش به عدواناً وغير باطش به، وذو علاقة به ولا علاقة له به، وكل ذلك الآن!!).. والفارق بين وجود المتناقضات أنها غير مجتمعة وهي غير محالة، وأن الحكم فيها بدعوى وجودها مجتمعة في الآن والزمان قائم على عدم (الثالث غير المرفوع)؛ وذلك محال ؛ فإن نفى الأمرين مع وجود الثالث غير المرفوع كان ذلك غير محال.. وقد يكون غير المرفوع أكثر من واحد كاختلاف الآن والمكان، واختلاف دلالة اللفظ بصرفه عن حقيقته إلى مجازه كقول الخنساء عن أخيها: (لا حي فيرجى، ولا ميت فيبكى).. ومن غير المرفوع اختلاف الهوية والكيفية والإضافة؛ وإلى لقاء في يوم الجمعة القادم إن شاء الله تعالى، والله المستعان.
** **
كتبه لكم: أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري - (محمد بن عمر بن عبدالرحمن العقيل) - عفا الله عني، وعنهم، وعن جميع إخواني المسلمين -