صدر مؤخراً أمر سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير الدكتور فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيساً لمجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية.
ومكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض، تأسست عام 1407هـ، وكان المشرف العام على مشروع المكتبة أمير منطقة الرياض وقتئذ الأمير سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، فهو الداعم للعلم والمعرفة مذ أن كان أميراً للرياض وحتى بعد أن أصبح ملكاً، ومع رؤية 2030 المباركة، لابد لها من تسليط الضوء على المكتبة الوطنية (مكتبة الملك فهد الوطنية)، من اهتمام الرؤية بالمكتبة وصدور الأمر الملكي بتعيين الأمير فيصل بن سلمان رئيساً لمجلس الأمناء.
فقد ذكر أستاذي الدكتور سالم بن محمد السالم في كتابه (مكتبة الملك فهد الوطنية: دراسة لوظائفها ضمن بنية البناء الوطني للمعلومات في المملكة العربية السعودية)؛ ذكر أن مهام المكتبة الوطنية ووظائفها تحت تسعة محاور:
-1 تجميع التراث الوطني.
-2 الضبط الببليوجرافي للإنتاج الفكري الوطني.
-3 تقنين النظم الفنية المستخدمة في مكتبات الدولة.
-4 تنمية العنصر البشري وتدريبه.
-5 نقل تقنية المعلومات وتطويعها لصالح مكتبات الدولة.
-6 التعاون والتنسيق مع مرافق المعلومات على مستوى البلد.
-7 تعزيز أدب المكتبات والمعلومات.
-8 تقديم الخدمات للمستفيدين.
-9 القيام بالدور القيادي لمؤسسات المعلومات الوطنية.
والكتاب صدر عام 1417هـ، وهو قيم في بابه، ويستفاد منه في عصرنا الحاضر، مع إضافة مستهدفات رؤية المملكة.
أركان المكتبة:
-1 أوعية المعلومات.
-2 الموظفون.
-3 المستفيدون.
-4 الإدارة.
الركن الأول: أوعية المعلومات: كل ما يمكن أن يسمى وعاء للمعلومات؛ يعتبر مستهدفا للاقتناء بشروطه، والمكتبات الوطنية يفترض فيها أن تكون (أحادية الدور) في الاقتناء، فلا تقتني من الأوعية إلا بتوفر أحد هذه الثلاثة:
-1 المؤلف ابن الوطن: يقتنى عن طريق الإيداع القانوني، سواء كتبا أو رسائل جامعية أو غيرها، وسواء ألف داخل الوطن أو خارجه، حتى ولو كان الكتاب ممنوعا من التداول، لابد للمؤلف أو صاحب المسؤولية ابن الوطن أن يودع في المكتبة النسخ المطلوبة، وإلا يتعرض بحسب النظام إلى مخالفة مالية يدفعها عن كل وعاء لم يودع.
-2 المحتوى عن الوطن: يقتنى عن طريق الشراء أو الإهداء، وإذا كان لدى المكتبة كفاءات في إدارة تنمية المجموعات (التزويد)، فإن من أدوارهم القيام بالبحث والتنقيب عن مؤلفات عن الوطن، والسعي في الحصول على نسخ منها، حتى ولو مصورة إن لم تتوفر أصلية، وحتى ولوكان المحتوى غير مناسب لاطلاع عامة الناس.
-3 الناشر داخل الوطن: يقتنى عن طريق الإيداع القانوني، وهذا أيضا كل ناشر يعلم بذلك، وإلا تطبق بحقه عقوبة نظامية مخالفة مالية عن كل إصدار لم يودع.
هناك مكتبات وطنية (ثنائية الدور) فتكون وطنية من جهة وعامة من جهة أخرى، أو وطنية وبرلمانية، بل رأيت مكتبات وطنية (ثلاثية الدور) وطنية وعامة وجامعية؛ وهذا في رأيي غير صحي، فيجب أن تكون المكتبة الوطنية ذات أدوار محددة وتترك الأدوار الأخرى لمكتبات أخرى.
وأهم ما يرفع من شأن المكتبة هو وجود الوعاء أو المادة العلمية، ثم في مرحلة أخيرة سهولة الإتاحة للمستفيدين بعد الإجراءات الفنية.
الركن الثاني: الموظفون: وهم الأيدي العاملة في المكتبة الوطنية، ولهم حقوق وعليهم واجبات، يفترض فيهم أنهم كفاءات وطنية متخصصة في علم المكتبات والمعلومات، وهناك جزء يسير من الموظفين للتخصصات الإدارية.
فلا يصح أن يستقطب موظف جديد لشغل وظائف متخصصة في المكتبات وهو غير متخصص، طالما أن هناك كفاءات متخصصة بالمكتبات وتبحث عن عمل.
فأوعية المعلومات تحتاج من يعمل على فهرستها وتصنيفها وحفظها من أجل إتاحتها للمستفيدين، ولا يمكن ذلك إلا بوجود طاقم من العاملين من الكفاءات الوطنية، ومع تطور الزمن هناك ما يسمى حديثا (أتمتة المكتبات) بمعنى (المكتبات الأوتوماتيكية) أو النظم الآلية، والأتمتة: فن جعل الإجراءات والآلات تسير وتعمل بشكل تلقائي.
ومع الأتمتة أيضا لا تستغني المكتبات الوطنية عن الكفاءات من الموظفين، وبحسب علمي أن عدد الموظفين في مكتبة الملك فهد الوطنية ربما يصل إلى (300) موظف وموظفة تقريبا، غالبهم من أهل التخصص، ولابد من العناية بالموظف كنوع حقوق له، ومن ثم مطالبته بالواجبات التي عليه.
فحبذا لو أن الموظف في المكتبة الوطنية ينال بعض الامتيازات منها:
-1 التأمين الصحي لمنسوبي المكتبة، فالشأن الصحي للموظف وأسرته مهم جدا، وهذا شعور إنساني نبيل، ولا يقاس الأمر في المكتبة الوطنية على بعض الدوائر الحكومية التي ليس لديها تأمين صحي.
-2 التعليم المستمر وتدريب الموظفين ومن ذلك الحصول على اللغة الإنجليزية وغيرها من المهارات والدورات التدريبية داخل المكتبة وخارجها.
-3 التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالحج ليكون لمكتبة الملك فهد الوطنية مخيم خاص بالحج، على غرار بعض الجهات الحكومية، لتحجيج منسوبي المكتبة بداية من المراتب الدنيا.
فإن العناية بالموظف المسكين، سواء في التأمين الصحي أو التدريب أو إتاحة الحج بالمجان؛ هذه من المغريات والجوانب الإنسانية والمحفزات، مما يجعل ولاء الموظف وتعلقه بالمكتبة أقوى، حتى وإن قدمت له عروض بالانتقال إلى جهة أخرى لن ينتقل بسهولة، خاصة في الكفاءات التي لا تعوض، وبهذه المحفزات يتعلق الموظف بالجهة، ثم يعمل بحب وإخلاص وتفان.
الركن الثالث: المستفيدون: وهم الأساس الذين حفظت أوعية المعلومات من أجلهم، فمنهم العلماء ومنهم الباحثون ومنهم العابرون على قنطرة العلم والمعرفة من أجل نيل شهادة ما، وغيرهم.
هذا الركن الركين هو أهم ما يمكن أن يحسن صورة المكتبة أو يقبحها، من خلال أنظمة المكتبة، وتعامل الموظفين.
فيجب أن يخدم المستفيد بأسهل وأيسر طريقة، سواء حاضرا أو عن طريق وسائل التواصل المختلفة، والنظر في العقبات التي تحول بينه وبين إفادته وحلها.
الركن الرابع: الإدارة: الإدارة هي جزء من ركن الموظفين، ولكن بما للإدارة من مهام ترفع من شأن المكتبة؛ جعلوها ركناً مستقلاً.
وقد تعاقب على إدارة مكتبة الملك فهد الوطنية العديد من الإدارات، وفي كل خير، ولكل مجتهد نصيب، ولا أعلم عن الصلاحيات والميزانيات الممنوحة لكل إدارة، ولكن إدارة المكتبة عموما هي التي تساهم في الرفع من شأن المكتبة أو الخفض، فهي التي تسن القوانين، وتسعى لتطبيق الأنظمة، وتحفز الموظفين، وتحرص على اقتناء أوعية المعلومات، وتسهل إتاحتها للمستفيدين، ومسألة نجاح الإدارة من عدمها راجع للخطط الاستراتيجية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى الذي يصعب علي الحديث عنها في هذه العجالة.
ومن التنظيم العام المعروف؛ ينظر في هيكلة المكتبة وتوزيع الإدارات، ثم ينظر في مهام كل إدارة، ومهام كل موظف، وتفعيل إدارة الجودة، وتفعيل إدارة المتابعة، واستخدام الترغيب والترهيب في الإدارة مع كافة الموظفين، مع تغليب جانب المصلحة العامة للمكتبة ومنسوبيها.
وحبذا لو أن المكتبة الوطنية اهتمت مع دورها الأساس؛ بالعناية بما لديها من مكتبات خاصة، وأنشأت العديد من المكتبات المتخصصة النوعية، مثل مكتبة متخصصة بالأمن الفكري، وعملت شراكة مع الجهة ذات العلاقة مثل (مركز الحرب الفكرية) التابع لوزارة الدفاع، وشراكة مع رئاسة أمن الدولة، وغيرهما.
ومكتبة متخصصة بكل جوانب التراث من فهارس مخطوطات ونقوش ووثائق ومسكوكات، وكل دراسة وبحث يخص هذه المجالات يكون رافداً علمياً، بحيث المستفيد لا يحتاج مكتبة أخرى إذا ما أراد البحث في هذه التخصصات.
وكل ركن مما سلف ذكره يحتاج الكثير من التفاصيل، ولعل في الإيجاز إفادة، ولا يفوتني الجانب الثقافي في المكتبة، وكذلك الجانب الإعلامي فهما في غاية الأهمية.
فلدى المكتبة قاعات خاصة لإقامة الفعاليات الثقافية المختلفة، سواء الفعاليات الوقتية، أو الفعاليات المستدامة، فلو كان الأمر بيدي لجعلت كل أسبوع محاضرة عن المكتبات في المملكة العربية السعودية، كل مكتبة في المملكة ترسل متحدثا عنها في ورشة يبين لنا معلومات مفصلة عن المكتبة، بداية من المكتبة الوطنية، ثم هيئة المكتبات، ثم المكتبات العامة، ثم المكتبات الجامعية، ثم المكتبات الأخرى المختبئة إما في المستشفيات أو السجون، ثم المكتبات الخاصة وهكذا، وبعد ذلك يصدركتاب فيه هذه المحاضرات تكون نبراسا للمكتبيين.
وفي كل أسبوع أيضا محاضرة عن الكتب والقراءة ومحبيها يلقيها شاب أوشابة من محبي القراءة، وتعمل دعوات لبعض المشاهير من الكتبيين ومحبي القراءة.
ولطالما حلمت وتمنيت لو أن مكتبة الملك فهد الوطنية تعمل طوال اليوم، ووضع في جزء منها قطعة من فندق اقتصادي لمن لديه عضوية في المكتبة للمبيت في فندق المكتبة والاشتغال بالبحث والاطلاع...
وأتمنى عمل شراكة مع الأندية الرياضية لتفعيل الجانب الثقافي، لنستثمر في الجماهير الرياضية، لإشاعة العلم والمعرفة والثقافة والوعي ونكسب محبين جددا للكتب والمكتبات والقراءة والعلم والمعرفة والنفع الخاص والعام، فضلا عن دعم الأندية لنشر الكتب ودور النشر ومعارض الكتب والمؤلفين.
وعندي أنه يجب أن تكون مكتبة الملك فهد الوطنية مكتبة رائدة لا في السعودية فقط ولا في الخليج ولا في الوطن العربي، بل تكون رائدة على مستوى العالم، وهذا ليس مستحيلاً على من كان حالماً في تحقيق رؤية سمو سيدي ولي العهد محمد بن سلمان -حفظه الله-.
** **
- إبراهيم بن عبدالعزيز اليحيى