جانبي فروقة
شهد العالم الكثير من الأحداث في عام 2023م، فقد استعرت الانقلابات في القارة الأفريقية، فقد أطاح جيش النيجر برئيس البلاد، وهددت الدول المجاورة بالتدخل، ولكن المجالس العسكرية في مالي وبوركينا فاسو هددت بالحرب رداً على ذلك، وبعدها بقليل استولى الجيش في الغابون على السلطة، وعصفت الحرب الأهلية بالسودان، واشتعلت النيران بين الجيش السوداني بزعامة عبدالفتاح برهان، ورئيس قوات الدعم السريع برئاسة حميدتي (وما زالت الحرب مستمرة، وبلغ عدد القتلى حتى الآن 10 آلاف شخص، وتم تشريد 5.6 مليون شخص)، وفي القارة الآسيوية استولت أذربيجان في سبتمبر الماضي على إقليم ناغورنو كاراباخ في نزاعها مع أرمينيا، وفر أكثر من مائة ألف أرميني من الإقليم إلى أرمينيا. الحرب الروسية الأوكرانية أوصلت العالم إلى حافة هاوية الحرب النووية وما زالت مستمرة، والهجوم المضاد المكلف الذي شنته أوكرانيا لكسر قبضة روسيا على الشرق وجزيرة القرم لم يحقق شيئاً، بل على العكس استفاد الروس وحصنوا دفاعاتهم وكسبوا أراضي أكثر، وبدأ الحديث في الدبلوماسية الغربية يتجه إلى مدى قدرة أوكرانيا على تحمل حرب الاستنزاف، وبدأت بعض الأصوات في أوروبا المرهقة، تطالب بوقف الحرب، وبدء محادثات السلام، ويرى الخبراء أن الحرب كلها متوقفة على نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2024م، وآخر الإحصاءات فإن المساعدات الأمريكية لوحدها لأوكرانيا من يناير 2022م إلى أكتوبر 2023م، بلغت كإجمالي 74.4 مليار دولار منها 46.
3 مليارات دولار مساعدات عسكرية، وقد بدأ بعض النواب الجمهوريون تعلو أصواتهم بضرورة وقف هذا النزيف الاقتصادي الحاد، ويرى بعض المحللين أن الحرب كلفت الروس في 2023م أيضاً ما يزيد على 84 مليار دولار، ناهيك عن عدد القتلى بين الطرفين، والذي تتضارب الروايات حول الأرقام، ولكنها تبقى مأساة إنسانية بكل معنى الكلمة.
خلال القرن الفائت كانت النصيحة دوماً "اتجه غرباً"، واليوم النصيحة صارت "نتجه إلى السماء" هناك 77 دولة لديها وكالات فضائية، ومنها 16 دولة تستطيع إطلاق حمولات إلى الفضاء، في أغسطس الماضي اصطدمت مركبة الهبوط الروسية بسطح القمر وبعدها بأيام استطاعت الهند بالهبوط في المنطقة القطبية الجنوبية للقمر بمركبة غير مأهولة على القمر وبعدها بأسابيع أطلقت الهند مهمة لدراسة الشمس.
وكذلك لدى الصين والولايات المتحدة الأمريكية برامج طموحة حيث تهدف وكالة ناسا إلى إعادة رواد الفضاء إلى القمر بحلول عام 2025م، واستكشاف الفضاء يفتقد إلى اتفاقية واضحة لتنظيم الاستكشاف المدني واستخدامه، رغم اقتراح الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية أرتميس، ورفض الصين ودول أخرى التوقيع عليها والموضوع معقد نتيجة قوة الشركات الخاصة مثل شركة Space X (سبيس اكس) وBlue Origin (بلو اوريجين) وفيرجين كالاكتيك (Virgin Galactic) في عام 2023 م سبقت الهند الصين بعدد السكان ووصل عدد السكان فيها 1.43 مليار نسمة، ويتوقع أن يصل عدد السكان إلى 1.7 مليار نسمة في منتصف القرن الحالي، بينما عدد السكان في الصين يتقلص ويزداد تقدم العمر وفي عام 2050م، يتوقع الخبراء انخفاض عدد سكان الصين بمقدار 100 مليون نسمة، وهذا سيتطلب من الصين الاستثمار الأكبر في شبكة الأمان الاجتماعي وهذا التوجه مكلف، وهذا التحول الديمغرافي في آسيا سيكون له الأثر في خلط الأوراق في السياسية.
شهد عام 2023م تطورا في الذكاء الاصطناعي، حيث فجر 4 ChatGPT سباق التكنولوجيا القائمة على نماذج المحادثات واللغات، وانطلق عصر جديد للإبداع البشري في جميع المجالات الطبية والعلمية الأخرى وبدأ الحديث عن كونها طفرة تقنية أم نهديد وجودي للبشرية في حال لم يتم تنظيم وتشريع الذكاء الاصطناعي.
التوتر الصيني– الأمريكي على الصعيد الجيوسياسي والاقتصادي والتكنولوجي زادت حدته في بداية العام مع تفجير الأمريكان للبالون الصيني فوق أراضي الولايات المتحدة الأمريكية، وما زالت التسوية بعيدة المنال مع التوترات على حدود تايوان وبحر الصين الجنوبي رغم لقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ الأخير في نوفمبر مع الرئيس بايدن على هامش اجتماع قادة آيبيك 2023م في سان فرانسيسكو، وتأكيد الطرفين على ضرورة التواصل والتعاون لحل المشاكل؟ وفي الشرق الأوسط اشتعلت الحرب الإسرائيلية ضد حماس في غزة بعد هجوم حماس في السابع من أكتوبر وقتل ما يقارب من 1200 إسرائيلي وأسر حوالي 240 رهينة، واليوم تجاوز عدد القتلى الفلسطينيين الـ18 ألف و50 ألف مصاب، وبدأت الإدارة الأمريكية رغم موقفها الداعم للإسرائيليين بالشعور بالضغط الأخلاقي، خاصة أن الرئيس بايدن يشعر بأن سيكون هناك ثمن سياسي باهظ مكلف وأن إسرائيل بدأت تفقد الدعم الدولي بسبب ارتفاع القتلى المدنيين، خاصة من النساء والأطفال نتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية العنيفة والعشوائية.
ضربت الزلازل القوية سوريا وتركيا وخلفت ما يزيد على 59 ألف قتيل وكذلك مراكش في المغرب ونيبال وبنغلادش ومناطق أخرى من العالم.
وكذلك حدثت الفيضانات في عدة دول كهونغ كونغ وتايوان ولكن أسوأها كان في درنة الليبية، والذي خلف أكثر من 11 الف قتيل.
ويعزي الخبراء الأحداث المناخية المتطرفة إلى ارتفاع حرارة الأرض وتغير المناخ، حيث إن درجة الحرارة في هذا العام هي الأعلى سخونة منذ 125 الف عام حسب الخبراء واجتمع العالم في COP-28 في دبي في ديسمبر 2023م، حيث اجتمع ما يقرب من 200 طرف لاتخاذ قرار بشأن أول تقييم عالمي لتعزيز العمل المناخي الموحد قبل نهاية العقد الحالي. وقال سيمون ستيل، الأمين التنفيذي للأمم المتحدة المعني بتغير المناخ، في كلمته الختامية: "على الرغم من أننا لم نطوِ صفحة عصر الوقود الأحفوري في دبي، إلا أن هذه النتيجة هي بداية النهاية".
"والآن يتعين على جميع الحكومات والشركات تحويل هذه التعهدات إلى نتائج اقتصادية حقيقية، دون تأخير"، وتم الاتفاق على مساعدة البلدان على تعزيز قدرتها على مواجهة آثار تغير المناخ وتم تفعيل صندوق الخسائر والأضرار وترتيبات التمويل ووصل الصندوق حتى الآن إلى أكثر من 700 مليون دولار.
وصاغت الأطراف إطاراً جديداً للأهداف المالية والتكنولوجية لتحقيق الهدف العالمي للتكيف (GGA) (Global Goal on Adaptation) والذي يحدد عتبة الصمود للعالم ليصبح قادراً على مواجهة تغيرات المناخ وتقييم جهود البلدان.
وتلقى صندوق المناخ الأخضر (GCF) (The Green Climate Fund) دفعة قوية لتجديد موارده، حيث بلغ إجمالي التعهدات الآن رقماً قياسياً قدره 12.
8 مليارات دولار أمريكي من 31 دولة، مع توقع المزيد من المساهمات.
وكما أطلقت الإمارات صندوق ألتيرا (Alterra) أكبر صندوق استثماري لتحفيز العمل المناخي –هو صندوق برأس مال أساسي 30 مليار دولار، ويهدف لجمع واستثمار 250 مليار دولار بحلول 2030م، ويهدف لتحفيز الأسواق الخاصة لإطلاق استثمارات مناخية.
ومع ذلك فإن هذه التعهدات المالية أقل بكثير من التريليونات اللازمة في نهاية المطاف للتحول الأخضر، استمرت المناقشات حول تحديد "هدف جماعي جديد لتمويل المناخ" في عام 2024، يبدأ من 100 مليار دولار، وسيكون لبنة أساسية لتمويل تصميم وتنفيذ خطط المناخ الوطنية في البلدان النامية.
** **
- كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية