لفتة تاريخية، وعناية ملكية كريمة اقتضت في مطلع التسعينيات الهجرية أن يُنشىء جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز - طيب الله ثراه - دارة الملك عبدالعزيز؛ لتكون مرجعاً تأريخياً، ومتحفاً سعودياً، وكنزاً جغرافياً يضم في جنباته تاريخ بلد كبير اسمه المملكة العربية السعودية.
فجاءت هذه الإرادة الملكية؛ لتحفظ تاريخ هذا الكيان الكبير، وجغرافيته، وتراثه، وبيان مكمن حضارته.
تم إنشاؤها بموجب المرسوم الملكي الكريم ذي الرقم (م/ 45) في الخامس من شعبان عام 1392هـ لتكون مؤسسة متخصصة في خدمة هذا التاريخ المجيد وجغرافيته وآدابه.
وكانت رسالتها العريضة رغبتها الأصيلة في الوصول إلى التميز في خدمة تاريخ المملكة؛ حفظاً وتنميةً، وإتاحةً ونشراً.
وكانت أهدافها واضحة المعاني، راسخة المباني ساعية عبر هذه الأهداف إلى توثيق المصادر والمعلومات التاريخية.
وإعداد البحوث والدراسات، وتحقيق المخطوطات في مجال عمل الدارة، وتشجيع الباحثين؛ وأساتذة التراث؛ دعماً لدراساتهم، تشجيعاً لأعمالهم.
وكذلك بناء الشراكات الفعالة المتميزة، والمحافظة على المواد التاريخية بجميع أنواعها؛ مما يسهل الوصول إليها حال الحاجة لها.
وقد بذلت الدارة خلال سنوات طويلة جهوداً طيبة في إعداد البحوث، والندوات، وتحقيق التراث الذي يسهم في تاريخ المملكة وحفظ جنابه، وتوطيد أطنابه.
إن دارة الملك عبدالعزيز هي بمثابة السجل الضخم، والأنبار التي تبعث على الانبهار لتأريخ دولة عظيمة كان لها، وسيكون لها في مستقبل أيامها بإذن الله؛ تأثيرها الكبير في تاريخ الحضارة الإنسانية جمعاء.
وستكون الدارة يوماً - وكما هي الآن مأرزاً للكشف عن تراث بلدنا الكبير، وتاريخه، وجغرافيته، وسيرة حكامه منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، إلى عهدها الحاضر، وعبر قرون ثلاثة والجزيرة العربية تزخر بتاريخ مجيد متفرد، لا يوجد له نظير في العصر الحديث.
سلمان بن عبدالعزيز
ودارة الملك عبدالعزيز
تشكل الحياة الثقافية والعلمية في المملكة العربية السعودية أثراً كبيراً، جليل القدر والمكانة في حياة الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وعلى الرغم من انشغاله الرسمي سياسياً، وإدارياً، واجتماعياً وذلك إبان عمله كأمير لمنطقة الرياض؛ إلا أن الثقافة، والاطلاع، وتاريخ المملكة، ومتابعة الصحافة كان أحد يومياته التي يجد فيها نفسه وبغيته.
وفي الوقت نفسه كان رواد التاريخ السعودي، وأساتذة الإعلام، ورموز الصحافة يدركون التأثير الكبير للملك سلمان في صناعة وتاريخ الفكر الحضاري للمملكة؛ لما يجدونه ويلمسونه من متابعة دقيقة ومباشرة لنتاجهم العلمي والفكري الثقافي.
ومن هنا لم يكن غريباً أن يكون سلمان بن العزيز - رائد وعراب الدراسات التاريخية في الجزيرة العربية - رئيساً لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز.
فبعد مرور قرابة خمسة وعشرين عاماً على إنشاء دارة الملك عبدالعزيز كانت دارة الملك عبدالعزيز على موعد مع حدث تاريخي كبير ونقلة نوعية مؤثرة؛ إذ صدر قرار مجلس الوزراء في 28-12- 1417هـ والذي يقضي بإعادة تشكيل مجلس إدارتها برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-.
أحدث توليه حفظه الله للدارة تأثيراً علمياً ضخماً، ووهجاً متميزاً على الصعيد الفكري، والتاريخي والمعرفي بشكل عام.
وصفته الدارة نفسها بأن «هذا القرار الكريم أعطى الدارة وهجاً وألقاً كبيراً، ولفت لها الأنظار داخلياً وخارجياً بما عدّه الباحثون يوماً مفصلياً في تاريخ الدارة».
حيث قام -حفظه الله- بإهداء الدارة جملةً من المخطوطات التأريخية، وساهم بنفسه بإلقاء عدد من المحاضرات والندوات حول تاريخ الملك عبدالعزيز وأبنائه ملوك المملكة.
وقدم عدداً من المنح والجوائز لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية، فكان حضوره وتوليه لرئاستها يشكل بصمة فارقة في التاريخ الحديث للجزيرة العربية.
الأمير د. فيصل بن سلمان
ودارة الملك عبدالعزيز
بعد الحديث عن الدارة وتأسيسها في عهد الملك فيصل -رحمه الله- وما شهدته الدارة في عهدها المزهر المتألق من خلال رئاسة الملك سلمان حفظه الله؛ تبدأ الدارة صفحة رئاسية جديدة متمثلة برئاسة الأمير الدكتور فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز والذي يحظى بالثقة الملكية الكريمة بتعيينه رئيساً لمجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز وذلك بناءً على ما عرضه سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - على خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على أن يتم استكمال الإجراءات النظامية لتشكيل مجلس إدارة الدارة.
وهنا تكون الدارة قد مرت بجهود عظيمة وعناية فائقة كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله؛ مما يستدعي مواصلة الجهد ورعاية العهد في تنمية وبناء وتطوير هذا المرفق التاريخي الوطني الكبير.
وفيصل بن سلمان اليوم خير من يحظى بهذه الثقة الملكية الكريمة الغالية، كيف لا وقد تربى على يد الملك سلمان القامة التاريخية الكبيرة والمؤرخ الحاني الباني، الحاني على ثقافة وتاريخ عروبته، الباني لحضارة ومستقبل وطنه؛ فسعى إلى أن تبلغ جهود دارة الملك عبدالعزيز القاصي والداني.
لقد نشأ الأمير الدكتور فيصل في مجلس والده الملك سلمان وهو يشاهد، ويرى، ويسمع ويلاحظ عنايته - حفظه الله - بدارة الملك عبدالعزيز وحرصه الكبير، ومتابعته، لتاريخ المملكة العربية السعودية، ومؤرخيها، ورواد ثقافتها، ورموز صحافتها.
والأمر الآخر أن الأمير فيصل بن سلمان - وفقه الله - يمتلك من المؤهلات العلمية العالية، والكاريزما الثقافية السامية، والملكة المعرفية الواسعة، والبعد الثقافي، والحس الإعلامي المتألق ما يجعله ابن بجدتها، ومحط ريادتها.
ومن طريف الصدف، وجميل الخبر والموافقات الحياتية أن دارة الملك عبدالعزيز أصدرت في العدد الثاني من مجلتها وذلك في السنة الرابعة والثلاثين عام 1429للهجرة عدداً خاصاً عن الملك فيصل بن عبدالعزيز تضمن في مطلعه وطرته اسم الملك فيصل وصورته، وتضمن في نهايته وخاتمته بحثاً حول كتاب الأمير د. فيصل بن سلمان وبصمته، من خلال بحثٍ علمي ألّفه.
مما يعطي دلالة ويوضح صورة مشرقة ومضيئة من صور العلاقة التاريخية بين سموه كرئيس حالي، وبين دارة الملك عبدالعزيز.
لقد استقبل الأمير فيصل بن سلمان المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين هذه الثقة الملكية الكريمة بتعيينه رئيساً لمجلس إدارة الدارة بالشكر والامتنان على هذه الثقة الكريمة.
كما استقبلها المثقفون ورواد الفكر والأدب بالتفاؤل الكبير، في أن تواصل الدارة عطاءها، ونماءها في خدمة تراث وطنها.
وعقب صدور المرسوم الملكي الكريم بتعيين سموه قام بزيارة لمقر الدارة بحضور معالي أمينها العام المكلف الدكتور فهد بن عبدالله السماري، والرئيس التنفيذي الأستاذ تركي بن محمد الشويعر، واطلع من خلالها على أحدث مشروعاتها، ومبادراتها، وطيف من منجزاتها ضمن السياسة التي انتهجتها خلال عقدين من الزمان ونصف العقد، حتى أصبحت مورداً للباحثين، ومنارةً للمؤرخين.
ولا شك أن فيصل اليوم وهو يتسنم هذا المكان الثقافي والتاريخي والمعرفي الكبير يطل على إطلالتين تاريخيتين الأولى منهما: إرث تاريخي عظيم يتمثل في حفظ تاريخ المملكة العربية السعودية ابتداءً، وتاريخ العالمين العربي والإسلامي، ومواصلة أعمالها، وتنمية أدائها في رعاية مهامها.
والأمر الآخر منهما: إرث إداري فريد تفرد به سلمان بن عبدالعزيز في إدارة مجلس دارة الملك عبدالعزيز، مما أوصلها إلى ما هي عليه، تميزاً وتألقاً ونجاحاً.
ختاماً: لقد أردت أن تكون مقالتي هذه مشاركة متواضعة في التنمية والبناء، والإشادة بروعة الأداء للدارة في سالف عهدها المجيد، وصادق الأمنيات لها وهي تستقبل يومها الجديد ولستُ سموكم عنها ببعيد فقد وصفها الملك بأنها «بيت الجميع».
إن العهدَ المجيدَ الذي تودعه، واليوم الجديد الذي تستقبله بعهد رئاسة جديدة طموحة ما هو إلا امتداد لمجلسها الأول جسداً وروحاً وفكراً.
وهي تستلهم منه قوتها، وأصالتها، وعمق إدارتها، فجزى الله الملك سلمان خيراً عما بذله، في حفظ تاريخ وطنه، ودينه، وعروبته، وأدام الله المملكة العربية السعودية مكاناً وإنساناً، وزادها تنميةً وبناءً.
** **
د. محمد بن أحمد آل الدريبي الشهري - دكتوراه في الدراسات الفكرية المعاصرة بجامعة الإمام والباحث بوزارة العدل