د. محمد بن أحمد غروي
في مطلع الشهر الجاري، قُتل ما لا يقل عن أربعة أشخاص وأصيب حوالي 50 آخرين بعد انفجار قنبلة خلال قداس كاثوليكي صباحي أقيم في صالة للألعاب الرياضية بالجامعة في ماراوي، وبحسب التحقيقات الحكومية الأولية، فإن العملية المصنفة إرهابيًا جاءت في أعقاب تضييق الخناق على جماعات مؤيدة لتنظيم داعش وتصفية زعيم الدولة الإسلامية ماوتي.
رغم تجانس المجتمع المسلم في الفليبين الذين يشكلون 6 % من السكان (6 ملايين مواطن فلبيني)، يتركز غالبيتهم في جنوب الفلبين تحديدًا في إقليم ميندناو، حيث يمثل المسلمون 23.3 % من سكان الإقليم، إلا أن منطقة مينداناو المضطربة أضحت أرضًا خصبة للفكر المتطرف وظهور الجماعات لتنظيم الدولة الإسلامية، مما يزيد من عرقلة جهود السلام.
أحد أسباب تفشي بذرة العمليات المُسلحة في الإقليم، هو سعيه للانفصال أو الحكم الذاتي خلال العقود الماضية، وقد أصدر الرئيس الفليبيني السابق رودريغو دوتيرتي في عام 2018 قانونًا للحكم الذاتي للإقليم الذي يسكنه غالبية مسلمة، أعقبه استفتاء على تطبيق الحكم الذاتي، لينتهي المطاف بعد أعوام من الصراع بإنشاء منطقة تتمتع بالإدارة الذاتية لمنطقة ميندناو بتأييد 85 بالمئة من الناخبين، ممهدًا الطريق لمرحلة انتقالية امتدت لثلاث سنوات، وإجراء انتخابات لمجلس تشريعي يختار السلطة التنفيذية.
ورغم نفاذ القانون الجديد الذي أقره الاستفتاء بأن يكون الإقليم مستقلاً في الميزانية والقضاء، والاستفادة من الموارد والثقافة واللغة وتوسيع دائرة حقوق السكان الأصليين، إلا أن تصاعد العمليات التي تصفها الحكومة بـ"الإرهابية"، يُشكِّل خطرًا على الدولة الفلبينية برمتها، ووفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي 2020، تعدُّ مانيلا ضمن الدول العشر الأكثر تأثراً بالإرهاب.
تُنبئ الحادثة الأخيرة بخطر حقيقي على التسامح الديني في الفليبين، ويعيد إلى الذاكرة إمكانية إحياء العنف الديني الذي شهدته البلاد في إدارة دوتيرتي في مدينة ماراوي، حين استحوذت جماعة دينية متطرفة مسلحة على المدينة وشهدت البلاد مواجهات عنيفة في المنطقة حتى تمكنت الحكومة من التخلص منها وتحرير المدينة الجنوبية.
علماء أسيان أكدوا بدورهم أن الغلو والتطرف والإرهاب والعنف ظاهرة عالمية، لا يجوز ربطها بدين ولا مذهب، ولا ببلد بعينه، مع ضرورة مكافحته بشتى ألوانه وأصنافه، ومواجهة التطرف والغلو الفكري والديني المؤدي إليه، ودعم الجهود الرامية إلى ذلك على المستويات كافة، داعين إلى نشر ثقافة الحوار البنَّاء والتعايش السلمي.
الفليبين ضمن منظومة آسيان التي تشهد تهديدات إرهابية بين الفينة والأخرى وتنشط فيها الجماعات والتنظيمات العسكرية المحلِّية والعابرة للدولة، تربعت على عشر قائمة مؤشر الإرهاب العالمي كأكثر الدول تضررًا في منطقة آسيان، كما أن هناك تخوفًا من لدن حكومات دول الجوار من انتشار حوادث الإرهاب في الأرخبيل، فعجلت من خطواتها مؤخراً لوأد الإرهاب، عبر معالجة مصادر التمويل، ومكافحة انتشار الأفكار المتطرفة التي تتبناها الجماعات في المنصات الاجتماعية، وتحسين قدرات الوقاية والاستجابة وتعزيز التعاون بين دول الرابطة في الإرهاب والجرائم العابرة للحدود.