د. عيد بن مسعود الجهني
شهد القرن المنصرم مآسي كارثية من نزاعات وصراعات وحروب مدمرة، وتعد الحرب الكونية الأولى التي هبت رياحها بتاريخ 28 يوليو 1914 وانتهت في 11 نوفمبر 1918 باكورة الحروب المدمرة التي أهلكت أكثر من (10) ملايين من البشر، وقد عاش العالم سنوات سمان من الأمن والاستقرار، ولم يعكر صفوه إلا أزمة الكساد العالمي عام 1929.
ولأن بلاد النازي هتلر تلقت هزيمة كبرى فان الرجل سابق الزمن في تسليح جيش بلاده ليأخذ الثأر، ومع شعوره بالقوة قرر احتلال دول جارة له ومنها بولندا التي اقتطع جزءاً منها وابتعاداً عن شره غضت الطرف كل من فرنسا وبريطانيا لكن الدكتاتور الشمولي النازي استمر في طغيانه مستغلا قواته الضاربة ضد جيرانه.
هنا أعلنت الحرب العالمية الثانية بدايتها ليسجل التاريخ أعظم حرب في القرن المنصرم انتهت بكارثة نووية.
وإذا كان التاريخ سجل نهاية الحرب عام 1939- 1940 بالقنابل النووية التي ألقتها أمريكا على الجزر اليابانية هيروشيما وناجازاكي فان تلك الحرب خلفت وراءها أكثر من (50) مليون قتيل والبعض يقدره بـ(85) مليوناً.
وقد خرج من رحم الحرب الكونية الثانية إمبراطوريتين الولايات المتحدة الأمريكية- الاتحاد السوفيتي (السابق)، الأول نشر ديمقراطية كاذبة والثاني روج لمبدأ أكذب أنه نظرية كارل ماركس الشيوعية وبهذا كان إعلان الحرب الباردة وتقاسم النفوذ والنزاعات والصراعات والحروب ومعظمها بالوكالة عن الدولتين.
الحرب الكورية أولى الحروب ذات البعد الدولي اندلعت رحاها عام 1950 بين أصحاب الشيوعية وأهل الديمقراطية وللأسف كلاهما (كاذب).
وقد انتهت الحرب بين كوريا الديمقراطية الشعبية الشمالية المدعومة روسيا وجمهورية كوريا الجنوبية بحماية أمريكية بهدنة بين الطرفين عام 1953 وخلفت وراءها أكثر من خمسة ملايين من البشر قتلى فإن حرباً ضروس أخرى بين الرأسمالية والشيوعية حدثت على أرض فيتنام عام 1966، أُنهك فيها الجيش الأمريكي حتى أن أحد قادته الجنرال كريتون ايرافز قال (إنا بحاجة إلى إرجاع الجيش إلى وطنه)، ولأن الملاكم الأشهر المسلم محمد علي كلاي -رحمه الله- رفض تلك الحرب لعدم عدالتها فقد رفض الانضمام إلى الجيش لذا جرد من ألقابه الدولية.
وأمام العجز العسكري الأمريكي أجبرت بلاده إلى عقد اتفاق باريس للسلام الذي وقع من قبل جميع الأطراف في يناير 1973، وفي 15 أغسطس من نفس العام انسحبت القوات الأمريكية من فيتنام لتطوي صفحة سوداء باسم الرأسمالية والشيوعية.
ويستمر الصراع الروسي- الأمريكي الذي نتيجته الحتمية احتلال دول ذات سيادة، فالاتحاد السوفييتي احتل أفغانستان عام 1979، وتصدت له أمريكا مستغلة بعض المسلمين لخوض معارك ضارية ضد الروس، باعتبار أن الشيوعية تعتبر أن الدين أفيون الشعوب.
وإذا كان الدب الروسي قد قبل الهزيمة في ذلك البلد وغادرها مهزوماً لتصبح أحد أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي، فإن الغول الأمريكي طمعاً في استراتيجية أفغانستان وإشرافه على نفط بحر قزوين سارع في عام 2011 لاحتلاله ليستقر كمحتل لعشرين عاماً ليتلقى نفس الهزيمة ويولي هارباً في عهد بايدن عام 2021 بعد أن تكبدت بلاده أكثر من (2) تريليون دولار.
وبين تلك الفترة من تاريخ الحرب الباردة دخل كل من فرنسا وبريطانيا والدولة العبرية حلبة الصراع فشنوا حرباً مجنونة عام 1956 ضد مصر وعادوا على أعقابهم على يد الجيش المصري ووقف العرب (الشجعان) مع مصر خاصة السعودية، لكن إسرائيل العنصرية بدعم أمريكي وغربي صارخ لم تتوقف عن مغامراتها فاستغلت وجود جزء كبير من الجيش المصري في اليمن لتشن حربها عام 1967 على كل من مصر والأردن وسوريا لتحتل أراضي في تلك الدول.
وقد استطاعت مصر بجيشها القوي إدارة المعركة بدءًا من حرب الاستنزاف وانتهاء بحرب رمضان المبارك/ أكتوبر 1973 وبدعم سعودي قوي قاده الملك فيصل -رحمه الله-، والذي جعل من ضمن الدعم قطع إمدادات النفط، وتحقق النصر على العدو وكان من نتائجه أن رفع النفط رأسه عاليا ليبدأ مسيرة ارتفاع أسعاره، ناهيك أن مصر استعادت كامل أراضيها طبقاً لمعاهدة كامب ديفيد.
وبقي العالم العربي يعيش سنوات من الاستقرار ولم يعكره سوى الاحتلال العراقي البغيض لدولة الكويت الشقيقة التي حررتها عاصفة الصحراء بقرار سعودي فتكون تحالفا شهيراً لدحر العدوان.
وغابت شمس القرن المنصرم بشره ونزاعاته وصراعاته وحروبه المدمرة، ليحتفل العالم بقرن جديد مرت سنوات قليلة منه مع غياب الاتحاد السوفييتي السابق هادئة إلى حد ما، لكن الدولة التي أصبحت قطباً واحداً كانت تخطط لما هو أعظم، أنه احتلال العراق طمعاً في ثروته النفطية البالغة (147) مليار برميل احتياطي مؤكد وبالفعل حدثت كارثة الاحتلال عام 2003، ليسرع الجيش الأمريكي (الفاجر) إلى الاستيلاء أولاً على وزارة النفط.
هنا يمكن القول إن الحرب الكونية الثالثة باحتلال العراق قد بدأت مقدمتها بقوة واضحة الكل يراها سوى الأعشى فالعالم بكل قاراته يمر بمرحلة غير مسبوقة في التاريخ، فالصراعات تشبه مقدمات الحربين الكونيتين السابقتين، فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي انفردت الولايات المتحدة بقيادة العالم، ويمكن القول إن هذا استمر حتى 2015، لكن دوام الحال من المحال. اليوم لا توجد في العالم قيادة واحدة، حتى أن بلاد العم سام بدأت تدرك ذلك، خاصة بعد أن بلغت الصين من القوة العسكرية والاقتصادية الثريا، حيث بلغ إجمالي ناتجها القومي حوالي (18) تريليون دولار، بينما الناتج المحلي الأمريكي حوالي (26) تريليون دولار، ولذا فهي (الصين) تعمل على تغيير النظام السائد في عالم اليوم.
وكل من أمريكا والصين محملة بأعباء ديون تبلغ في الأولى أكثر من (33) تريليون دولار، والثانية (الصين) (23) دولارا، صحيح أن الغول الأمريكي يملك أكثر من (800) قاعدة عسكرية تنتشر في كل قارات العالم، لكن الصين هي الأخرى منحدرة بهدوء في كل من أفريقيا وآسيا وغيرهما وبهذا السعي فإن تغيرا جذريا يشهده النظام الدولي يختلف عما هو سائد اليوم.
روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي السابق الذي سجل التاريخ انهياره وتناثرت الدول التي كانت تسير في فلكه ومعظمها انضم إلى الاتحاد الأوربي، ورغم أن الغرب مجتمعا ضد روسيا بسبب اجتياحها لأوكرانيا، فإن هذا يؤكد أن العالم الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من (8) بلايين إنسان سيصدم عندما يرى الحرب الكونية الثالثة التي لن تبقي ولا تذر.
الحرب القادمة بين المحاور سالفة الذكر لن تكون جيوش جرارة كما حدث في الحربين العالميتين التي أحداهما الأولى كانت تقليدية تماماً والثانية كذلك ماعدا قنابل أمريكا النووية على الجزر اليابانية، ستكون الحرب عن بعد إذا حدث خطأ واحد سيكون هو شرارة الحرب.
صحيح أن السلاح النووي الخبيث يعد في المفهوم العسكري أداة ردع، ودول عديدة استطاعت أن تصبح دولاً نووية، واستعماله قد يكون ضرباً من الخيال، ومن يصبح هتلر نازي جديد إذا ما استعمله فأول دولة تدمر كاملا دولته، الحرب ستستعمل أسلحة أكثر فتكاً.
إذا ما يجري في العالم في زماننا هذا ليس إلا أنه صراع على من يقود العالم، وقد يمكنه الشعور بالعظمة والقوة ليصبح سبباً رئيساً في إرسال إشارة بدء الحرب الثالثة التي من وجهة نظرنا أنها بالفعل قد بدأت وهي تنتظر خطأ بسيطاً كما أسلفنا يعلن شفير هذه الحرب خاصة إذا عرفنا أن الكرة الأرضية فوق سمائها حوالي (3000) قمر صناعي أقمار مراقبة وتجسسية.
نقول هذا ولدى دولتين أمريكا وروسيا أكثر من (15) ألفا من القنابل الذرية والهيدروجينية بإمكانها تدمير الأرض أكثر من (11) مرة، ناهيك أن الصين القائد القادم ترسانتها تحتضن أكثر من (900) قنبلة ذرية وهيدروجينية، وكل من فرنسا، بريطانيا، إسرائيل، الهند، باكستان، كوريا الشمالية، هي دول نووية وهناك دول مرشحة أن تصبح كذلك وأن كانت لم تعلن بعد عن مولدها كقوة نووية.
وبهذا فإن سكان العالم يعيشون وكأن تحت أقدامهم سلاحا نوويا وأن الدلائل تقول إن الصين إذا قررت غدا ضم تايوان فإن أمريكا ستشن عليها حرباً مدمرة للدولتين وقد تكون هي بداية الحرب العالمية الثالثة التي معها ستدمر الكرة الأرضية ومن يعيشون عليها.
ومع ضعف الأمم المتحدة وتحكم خمسة كبار في مصير المنظومة الدولية، فإن العالم بحاجة إلى نظام دولي جديد بعيداً عن القطب الواحد، وقد تتكون أقطابا تسن نظاما عالميا جديدا قد يبعد الكرة الأرضية وأهلها عن حرب دولية ثالثة تأكل الأخضر واليابس.
والله ولي التوفيق..
** **
- رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة