علي الخزيم
ـ من الإعجاز القرآني العظيم قوله تعالى بسورة الذاريات: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ، وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)! فعند التأمل بخِلقة جسم الإنسان يتبيَّن أنه آية من آيات الله ومن إعجازه سبحانه، ومن كلام المفسرين والعلماء فإن أصغر خلية بجسم الإنسان (خلية السائل المنوي) ومنها يبدأ تَكَوّن الجنين برحم أمه، وينبض قلب هذا الكائن ما يقارب 70 نبضة بالدقيقة، ليضخ بجسمه كمية من الدم قدرها 5 لترات، وأصغر عظمة بجسمه عظمة ركاب الأذن الوسطى!
ـ قد يكون الإنسان أجمل مخلوق على وجه الأرض باعتبار العقل والمنطق والسلوك والأخلاق والصفات وما منحه الله دون غيره من الكائنات؛ بِغَضّ النظر عن اللون والعِرق والتقسيم الجغرافي للأرض، فمن يجعلها كمقاييس لجمال الإنسان فهو يرى بعين قاصرة وبضمير مُتحيّز لا غير، وما جمال صور بعض البشر سوى ميزة إضافية لما خصَّ به الله سبحانه عباده من بني آدم.
ـ ويؤكد كثير من المفسرين فضل الخالق على الإنسان بهدايته إلى أقوم الطرق والسبل؛ إذ يقول الحق سبحانه في أوائل سورة يس: (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ *عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)، وقوله بسورة الأنعام 161: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين)؛ بما يُدلل على أن القِيم والأخلاق والسجايا الحميدة هي من مضامين السّراط المستقيم بالدنيا، وهنا فرق بين الإنسان وأي كائن غيره على الأرض!
ـ وفي شعر منسوب لبشر الفزاري يقول: (وَلا خَيرَ في حُسنِ الجُسومِ وَطولِها + إِذا لَم يَزِن حُسنَ الجُسومِ عُقول)، فما لجمال صورة الإنسان وحسن خِلقته قيمة كُبرى إذا لم تقترن بمحاسن أكثر قيمة بمعايير الأخلاق والموروثات الاجتماعية وبما تعارف عليه القوم وأخذوا به من الخصال الحميدة، والتأكيد على ما تعارفت عليه العرب قبل الإسلام وبعده من تمام مكارم الأخلاق والشِّيم الكريمة.
ـ ومن مآثر العرب بهذا المعنى ما أوصى به المُهلَّب بن أبي صفرة أبناءه بقوله: (ولتكن فعالكم أفضل من قولكم؛ فإني أحب للرجل أن يكون لعمله فضلٌ على لسانه، واتقوا الجواب وزلّة اللسان فإنّ الرجل تزل قدمه فينتعش من زلته ويزل لسانه فيهلك، واصطنعوا العُرْف فإن الرجل من العرب تعده العِدَة فيموت دونك؛ فكيف الصنيعة عنده)؟! وهو: أبو سعيد المُهَلّب بن أبي صفرة الأزدي، أحد ولاة الأمويين على خراسان، فَتَح فتوحات إسلامية واسعة كان لها أكبر الأثر في إثراء الحضارة الإسلامية.
ـ يُلفت الانتباه أن الشعراء والمُدونين العرب قديماً وجَّهوا جُلّ خطابهم للرجال دون النساء فيما يخص الرأي والاستقامة وكمال الفروسية والرئاسة والحكمة والقيادة إلى غيرها من الصفات المُتمّمة لعنفوان الأجيال، فهل غابت المرأة عن تفكيرهم؛ وهل هي مُبَرأة ومُجازة من أهمية التَّحلي بمكارم الأخلاق والعفَّة والطهارة بكل شؤونها؟ ليس ذاك؛ غير أن العربي يأنف من ترداد ذكر المرأة بكل حال ومقال، وهو تكريم لها وصيانة لعرضها، ولليقين بأنها من حُسن التربية والوفاء تلزم ما يلزمه الرجال بل تسابقهم إليه.