وقع الاختيار على (18 ديسمبر) بالتحديد للاحتفاء باللغة العربية؛ لأنه اليوم الذي اتخذت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1973 قرارها التاريخي، بأن تكون اللغة العربية لغة رسمية سادسة في المنظمة. وجسد هذا القرار جهود الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) بالشراكة مع مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود. ومن ثم دأبت اليونسكو منذ عام 2012 على إحياء اليوم العالمي للغة العربية كلّ عام في هذا التاريخ الذي حددته.
وقد كان لي شرف المشاركة وتبني هذا القرار المشرف للغتنا، ودعم إحياء اليوم العالمي للغة العربية بتاريخ 18 ديسمبر من كل عام، وذلك عندما كنت أخدم في وزارة التربية والتعليم في تلك الفترة من عام 2012م مع مكتب الوفد الدائم للمملكة العربية السعودية، وكانت اللغة العربية ولازالت (همًّا مشرفًا) كنت أحمله كمسؤول ولا زلت كمواطن.
كما كان لي شرف العمل مع الزملاء في الوزارة على إحياء (دار القلم) في (مدرسة طيبة) بالمدينة المنورة؛ للاهتمام باللغة العربية على مبدأ السمع والبصر والفؤاد. هذا وكان هاجس لغة القرآن قد بدأ يشدني عندما كنت أعمل على كتاب (فروسية) في آخر التسعينيات، ولفت انتباهي إلى ذلك ونحن نبحث في مكتبات العالم عن المخطوطات التي لها علاقة بالفروسية باللغة العربية، وما شدّ انتباهي أكثر، هو قلة ما خط من المصحف الشريف في المدينة المنورة مقارنة بما خُطّ في العراق وبلاد الشام ومصر وتركيا؛ وذلك بحكم انتقال الخلافة الإسلامية إلى تلك الأقطار. ومن هنا جاء مقترح إقامة «متحف القرآن» في المدينة المنورة ليضم ستة وخمسين مصحفًا تُخطّ بأيدي أمهر الخطاطين من دول العالم الإسلامي على مدى سنين في مدينة رسول الأمة- صلى الله عليه وسلم- ليصير بعدها المحتوى الأساس لذلك المتحف.
وهذا العام وتزامنًا مع الذكرى السنوية الخمسين لإعلان اللغة العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة، يسعدني ويشرفني أن أجد أن الاهتمام باللغة العربية، هو إيمان وهاجس دائم ترسخ في نفسي كوني مواطنًا ينتمي لبلاد الحرمين الشريفين، يحاول تقديم ما يستطيع في تعظيم وإحياء لغتنا وجمالياتها، وانتمائي إلى (ليان الثقافية) ساعدني وسهل لي هذا الهدف بما تحمله رسالتها، وتسعى لتحقيقه من إبراز للحضارة العربية والإسلامية بمفهومها الشامل من خلال نشاطات متنوعة، تشمل تبني وتشجيع المواهب المتميزة، والعمل على رفع قدراتهم في مجال الرسم، والنحت، والخط العربي والتصوير، وكذلك اقتناء القطع الفنية التي تخدم أهدافها.
مشروع (أكبر من الضاد) كان أساسه الحرف العربي، وهو المكون الرئيس لمعلم حضاري، ثقافي، تعليمي وترفيهي يرتقي برسالتنا إلى المكانة التي نحن أهلاً لها، ويمكننا من بناء أساس لقيمة مضافة وتنمية مستدامة لأجيالنا القادمة. و(حديقة الحروف) هي من سيفعل الفكر والتقنية؛ ليحفز شبابنا على التفاعل بروح الإبداع ويمكنهم من تطويع التقنية بما هو نافع ومجدٍ ومفيد. ثمانية وعشرون مجسماً تحاور بلغة القرآن، وهي رسالة جمالية تلمس حواسنا الخمس، بل تتعدى ذلك لتحرك في شبابنا حاسته السادسة بروح الإبداع والابتكار والتجديد. ذلك ما نهدف إليه لنمكن أجيالنا من الاعتزاز والفخر بانتمائها لأمة تحمل رسالةً للعالمين، وأن بلاد الحرمين الشريفين هي أحق من يجمع الكلمة ويوحد رسالة الأمة. فنحن أبناء هذه المنطقة، وهذه البلاد أقرب من يحمل هذه المسؤولية، خصوصاً إذا أوجد المكان والزمان والتربة الخصبة لنغرس فيها ذلك المعلم لينمو ويثمر يغذي العقول ويوسع المدارك، ويعمق مشاعر الانتماء والاعتزاز والافتخار باحتضاننا للغتنا وهي أساس مفهوم رسالتنا، رسالة (اقرأ) رسالة المعرفة والتفكر والتبصر في عظمة الخالق، وتأكيدها بتسخير ما وهبنا من قدرات لتوصيلها بمفاهيمها السمحة دعوة إخاء ومشاركة وبناء.
(جدة) محبوبتي مَنْ أقرب منها اليوم للعطاء والتواصل مع العالم؟ لإحياء هذه الرسالة، بمفهوم «يرتبط بالأصل ويتصل بالعصر» ويستثمر قدرات أجيال المستقبل لتبني حاضرًا يؤسس لعالم نحن من استؤمن عليه. فهذه أمانة وشرف أن نسخر بجداويتنا وبكل جدية المساهمة الحقة في تمكين قدرات مبدعيها لرسم أجمل صورة لحقيقة تعبر بآلاف الكلمات وملايين الحروف رموزًا حضارية دائمة - بإذن الله وتوفيقه - تدوم حاملة معانينا السامية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
هذا المقترح الذي طرح ورفع منذ سنوات هو ما دعانا في (ليان الثقافية) لإقامة هذه المسابقة (أكبر من الضاد) لدعم تحقيق أهدافه ورسالته.
كما لا يفوتني بمناسبة الاحتفالية بيوم اللغة العربية أن أذكر أننا في (ليان الثقافية) على وشك الانتهاء -بإذن الله - من مشروع توثيق الوصول إلى (الخط المديني) من خلال الكتابات الصخرية المبكرة في المدينة المنورة وباديتها، وهذا تشريف لنا بتوفيق الله؛ للإسهام في الحفاظ على لغتنا لغة رسالة أمتنا، قال تعالى : {بلِِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} الشعراء ( 195)
وفق الله قيادتنا لخدمة رسالة أمتنا، وأعان المسؤولين عن ثقافتنا لتبني الأصلح والأنفع للحفاظ على موروثنا الحضاري والثقافي لخدمة أجيالنا ومستقبلها.
** **
- الأمير فيصل بن عبدلله بن محمد آل سعود