د. إبراهيم بن جلال فضلون
غزة "جحيم على الأرض".. تعزل إسرائيل و"تنبط" عليها حياتها، بل وتُقلب عليها حلفاءها تحت ضغط أمريكي ودولي متزايد، بعد أن تدمر أكثر من نصف مباني غزة على الأقل وأُبيدت بنيتها التحتية، بعد 70 يوماً من طوفان 7 أكتوبر الماضي، بسبب السياسة الاستعمارية التي تتبعها إسرائيل ولم تؤت أُكلها للآن ولن تأتي بخير عليها، إذ كشفت أقوى جيش بالعالم وعرت زيفه، بل وزيف حلفائها، وأضعفت قوتهم الجيوسياسية والاقتصادية إن لم تكن قدراتهم الكاملة حتى الاستخباراتية تقنيات الذكاء الاصطناعي والأقمار المتنمرة في الفضاء، حتى ثار الرأي الداخلي على قادته بسبب سوء إدارته للمواقف وتضاربهم فيها، وكشف الزيف عنها.. حيثُ تتزايد العزلة الدبلوماسية لإسرائيل في حربها ضد "حماس"، والتي انتهت بتحذير بايدن حليفه نتنياهو من أن القصف العشوائي للمدنيين يقلص الدعم الدولي، بل دعاه إلى تغيير الحكومة المتطرفة، وطالبته الأمم المتحدة التي تضم 193 عضواً، وأصدرت الجمعية العامة فيها قراراً يدعو إلى وقف إطلاق النار، وصوت ثلاثة أرباع الدول الأعضاء لصالحه، لتضرب دولة الاحتلال بقراراتها وقوانينها الدولية عرض الحائط، والذي أكدها "نتن ياهو" على أنه لن يسمح لبلاده "بتكرار أخطاء أوسلو"، وهو موقف يزعج واشنطن التي صرحت وتجاهرت بأنها تحمى ظهر إسرائيل رغم كونها راعية لمشروع السلام الشكلي في المنطقة.. ولم يبق مع إسرائيل سوى 12 دولة فقط تؤيدهما في معارضة اقتراح الأمم المتحدة للهدنة.. بل أكد مجلس العلاقات الخارجية تنامى مشاعر العداء تجاه أمريكا في العالمين العربي والإسلامي
لقد صوتت الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان تقولان إن وقف إطلاق النار لا يفيد سوى "حماس"، ومعها ثماني دول أخرى، وفق قول سفير الاحتلال لدى الأمم المتحدة جلعاد إردان "وقف إطلاق النار يعني شيئاً واحداً وشيئاً واحداً فقط: ضمان بقاء (حماس) وضمان بقاء الإرهابيين الذين يرتكبون الإبادة الجماعية ويتعهدون بإبادة إسرائيل واليهود"... ليُصبح التعنت اللاواعي للأحداث باباً راح ضحيته ما لا يقل عن 18205 فلسطينيين، 65 % منهم أطفال ونساء، وإصابة ما يقرب من 50 ألفاً منذ السابع من أكتوبر، ناهيكم عن مجاعة وتشريد 85 % من السكان من منازلهم، وانتشار الأمراض، بحسب الأمم المتحدة ووزارة الصحة في غزة.
تعيش إسرائيل هاجس العزلة الدولية التي زادت رقعتها، ويُورق نومها تنامي دائرة المقاطعة الأوروبية لها بمختلف الأصعدة، بسبب نهج حكومة نتنياهو الرافض للسلام والمعادي للشعب الفلسطيني، ليطالبها الاتحاد الأوروبي (أكبر وأهم شريك اقتصادي لتل أبيب) بتعويضات لقاء الأضرار التي لحقت بمشاريع أقامها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما أثر على تقليص الصادرات الأمنية والاستثمارات الأجنبية، واتساع رقعة المقاطعة الأكاديمية.. وأنهم يشعرون بأن إسرائيل التي ترفض منح الفلسطينيين أي شيء باتت تشكل عبئا ثقيلا وتهدد المصالح الأوروبية في الشرق الأوسط وتعرقل السلام العالمي، بل تتجه نحو مزيد من التطرف وأن أي تغيير في دبلوماسيتها هو مجرد مناورة ومراوغة، بل إن التيار المتطرف بين اليهود يعزز قوة التيارات المقاومة ويمهد للقضاء على إسرائيل، فما الموقف لو واجهت إسرائيل السلطة الفلسطينية وحماس؟. لعل حدوث سيناريو معاكس للتوقعات، ضمن إطار التعاون بين حماس والسلطة، سيجعل من نهاية الاحتلال مؤكد، رغم تأكيد نتن ياهو أن: "سيناريو كهذا معروف لدينا وهو مطروح على الطاولة. نحن نناقشه". في رد سمعناه ملايين المرات: "إذا حدث مثل هذا الأمر، ففي غضون دقائق قليلة ستكون هناك طائرات هليكوبتر في الجو للرد على تلك التطورات".. فهل يفلح جُحا اليهودي في مواجهة الكتلتين وهو مشتعل بمرارة الهزيمة من أشباح غزة؟ التي كبدت الخسائر في صفوف جيش الدفاع الإسرائيلي، ليكون التأكيد على أن أكبر فشل للقوات الإسرائيلية يتحول إلى نجاح نسبي لحماس التي تضرب العمليات البرية وقدرة الجيش في ضربات موجعة.. تجعل إسرائيل في أخطر كابوس سياسي عرفته في تاريخها، ليري العالم كله أن الصهاينة إرهابيون، بينما يعتبرون يحيى السنوار وأبي عبيدة ورفاقيهما مدافعين عن الحرية ويشيدون بهم في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الرأي العام الأمريكي والبريطاني، وبالطبع في الدول العربية".