خالد بن حمد المالك
ما يجري في غزة يستعصي على الوصف، ولا يمكن لكاتب أن يشخِّصه ويفكِّكه ويستعرضه ويقدِّم قراءة تحليلية تتوافق وحجم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين المدنيين، مدعومةً من أمريكا ودول أوروبا، بما جعل قطاع غزة مقبرة لقتل الأبرياء بحثاً عن نصر وهمي على حماس على حساب المدنيين، حيث لم يستطع جيش إسرائيل وداعموه أن يصلوا إلى أهدافهم في تحرير الأسرى لدى حماس، أو القضاء على قادة وعناصر حماس.
* *
فماذا عساي أن أقول عن 4 آلاف فرنسي مزدوجي الجنسية يقاتلون الآن في غزة باعتراف (توماس بورتس) النائب الفرنسي المعروف الذي يطالب وزير العدل في بلاده بأن يقدمهم للعدالة الفرنسية باعتبارهم يرتكبون جرائم حرب ضد الفلسطينيين، وأن على فرنسا إدانة مزدوجي الجنسية، وكأنه يريد أن يقول: في ظل ما تشهده غزة من حرب إبادة، وتهجير، وإحداث الدمار الهائل في المباني والبنية التحتية، في حرب عشوائية أدى حتى لقتل ثلاثة من الرهائن الإسرائيليين كانوا يرفعون الرايات البيضاء أملاً بأن لا يصيبهم أذى، فإذا بالجيش يتعامل معهم كما يتعامل مع السكان الفلسطينيين المدنيين بوحشية وقتل بدم بارد، كأنه يريد أن يقول أين ضمير العالم وعدله وإنسانيته؟!
* *
وماذا عساي أن أقول ونتنياهو يقول أمام الصحفيين إنه أبلغ بايدن بأنه لا يمكن إعطاء الفلسطينيين سيادة كاملة تهدد حياة الإسرائيليين، ليأتي رد البيت الأبيض بأن رئيس السلطة الفلسطينية غير قادر على قيادة السلطة الفلسطينية، وذلك بعد أن تحدث رئيس وزراء إسرائيل عن أن لحماس نفوذاً في الضفة الغربية المحتلة.
* *
أما عن الدولة الفلسطينية، وما أدراك ما الدولة الفلسطينية، فنتنياهو يكرر بأنه ضد إقامة الدولة الفلسطينية، وضد اتفاق أوسلو، وأن الدول الأوروبية تتفق مع موقفه (سراً!) بشأن اتفاقية أوسلو، وتتحدث علناً بغير ذلك، وأن إسرائيل ستسمح للفلسطينيين بإدارة حياتهم، لكنهم لن يحصلوا على دولة، أي أنه يرفض خيار الدولتين، ويرفض اتفاق أوسلو، ويرفض قرار الشرعية الدولية، ويصر على احتلال الأراضي الفلسطينية، ومع هذا يجد الدعم السياسي والعسكري والبشري من أمريكا والدول الأوروبية، وكأنهم يشجعون عامدين متعمّدين إسرائيلَ على استمرار القتال، وتعريض أمن دول المنطقة للخطر.
* *
يقرُّ الإسرائيليون بأنهم يواجهون حرباً صعبة ومعقدة وأليمة ومركبة، وأن هناك مواقف في هذه الحرب لم يتعرضوا لها في حروب سابقة، ومع هذا يقولون إنه ليس أمامهم من خيار إلا النار والدم، وأن الضغط العسكري يساعدهم على الانتصار، وهو الكفيل لتحرير الرهائن. وفي هذا مكابرة، فالضغط العسكري عرض آلاف الإسرائيليين للقتل أو الإصابات دون أن يصل الجيش الإسرائيلي إلى أي من أهدافه، سواء بتحرير الرهائن، أو قتل عناصر حماس والجهاد أو أسر أي واحد منهم.
* *
لهذا فقد أصبح لدى إسرائيل ميداناً للرهائن يسمى بهذا الاسم، ويُستخدم من ذوي الرهائن للمطالبة بإيقاف الحرب، وإخلاء السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين مقابل فك الأسرى الإسرائيليين، كما تحركت تلك المسيرات نحو وزارة الدفاع، والمواقع الأخرى، فيما لا يتحدث رئيس الوزراء ووزير الدفاع إلا عن أنهم نجحوا في التصدي للمقاتلين الفلسطينيين وقادتهم وإضعاف قدراتهم القتالية، بما يخالف الواقع، حيث التوابيت التي تنقل القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي.
* *
ومع كل ما تواجهه القوات المعتدية من أوضاع صعبة، فإن حكومة إسرائيل المتطرفة لا تتردد في القول إن قطاع غزة سيكون بعد الحرب منزوع السلاح، وتحت السيطرة الإسرائيلية، ولن يكون لحماس سلطة عليها، ولا للسلطة الفلسطينية كونها لم تندد ولم تنكر على حماس ما قامت به في السابع من أكتوبر، ما فهمه الإسرائيليون، وتأكدوا منه على أن السلطة الفلسطينية على وفاق مع حماس فيما جرى، وبالتالي فلا فتح ولا حماس ولا غيرهما يمكن أن يحكموا غزة بعد الحرب، وهي تمنيات واهية لا يعتقد العقلاء أن إسرائيل بهذا الجيش الخائف والمستضعف يمكن أن تكون له الكلمة الأخيرة في هذه الحرب.