د.عبدالله بن موسى الطاير
توماس هوبز ينظر إلى الخوف باعتباره دافعًا إنسانيًا أساسيًا، ينبع من الرغبة الطبيعية في الحفاظ على النفس، وعنده أن الخوف من الموت العنيف يمثل قوة دافعة أساسية وراء النظام الاجتماعي والسلطة السياسية.
وأخذاً في الاعتبار هذا المدخل أصبح الخوف إحدى الأدوات الديموقراطية في الحؤول بين الناخبين وممارسة خياراتهم في بيئات طبيعية وأجواء حافزة، ومن ثم توجيههم نحو مرشح رئاسي ما على حساب الآخر.
يؤثر الخوف بشكل كبير على عملية صنع القرار في حياتنا اليومية، ويزعزع قوة الإرادة عند الأفراد، وبذلك يشكل خياراتنا، ويعوق أفعالنا، بل ويقودنا إلى اتخاذ قرارات غير منطقية.
الاستجابات العاطفية القوية، مثل القلق أو الغضب أو الإحباط تتداخل مع القدرة على اتخاذ قرارات عقلانية، مما يؤدي إلى أفعال متهورة يندم عليها المرء.
الخوف من الإرهاب منح الرئيس بوش الابن ولاية ثانية، وندم بعض الأمريكيين على التصويت له، كما ندم البعض على التصويت للرئيس ترامب.
سباقات الانتخابات الأمريكية تحديداً حافلة بتوظيف الوجل سلاحاً لسوق الناس إلى صناديق التصويت سوقاً رغماً عن إرادتهم، فالهلع يحفز الناخبين على الإدلاء بأصواتهم ودعم المرشح الذي يعتقدون أنه الأقدر على حمايتهم من التهديد المحتمل.
على سبيل المثال، خلال الانتخابات الرئاسية عام 2004، كان بعض الناخبين متحمسين لدعم جورج دبليو بوش لولاية ثانية لأنهم كانوا يخشون الإرهاب.
وقد نجحت حملته في استغلال هذه المخاوف باستخدام عبارة «الحرب على الإرهاب»، وبالزعم أنه المرشح الأفضل للحفاظ على أمن أميركا.
وقد برع الفريق الذي قاد حملة الرئيس بوش الابن إذ ذاك في استخدام الترهيب من المجهول لتوسيع نطاق جاذبيته خارج قاعدة مؤيديه.
وعلى الرغم من أن التخويف يمكن أن يأتي بنتائج عكسية في الانتخابات الرئاسية، إذا شعر الناخبون أن أحد المرشحين يستغل مخاوفهم لتحقيق مكاسب سياسية، فيصبحون غير واثقين من ذلك المرشح ودوافعه، فإن الرهان على الخوف كان رابحاً على الدوام.
خلال الانتخابات الرئاسية عام 1960م، نجحت حملة ريتشارد نيكسون في استغلال المخاوف من الشيوعية، بحجة أن جون كينيدي كان متساهلاً للغاية مع الاتحاد السوفييتي، وفي عام 2016م استخدمت حملة الرئيس دونالد ترامب على نطاق واسع الترويج للمخاوف من الهجرة والإرهاب والجريمة.
سلاح الترويع عندما يستخدم بمعالجات نفسية محترفة يدفع الناخبين إلى اتخاذ قرارات انفعالية، معتمدين على الاستدلال، والاختصارات العقلية، وخطاب المؤامرة لاتخاذ القرارات، وفي الغالب يقودهم الهلع إلى التصويت لمرشح لا يمثل الخيار الأفضل، وذلك ببساطة لأنهم خائفون من المرشح الآخر.
انتخابات 2024م ليست نسيجاً وحدها، فهي امتداد لثقافة وممارسة متراكمة من التخويف والدجل والتدليس، وكل الأسلحة مشروعة. معركة التخويف من عودة الرئيس ترامب في أوجها، فقد أدلى مايلز تايلور، رئيس موظفي ترامب السابق في وزارة الأمن الداخلي، بجملة من المزاعم على قناة MSNBC الأمريكية.
عندما سُئل تايلور عن نوع الضرر الذي يمكن أن يحدثه ترامب إذا أعيد انتخابه للمكتب البيضاوي في عام 2024م، قال: «الاحتمالات لا حدود لها تقريباً»، مضيفاً أن «أكبر المخاوف بالنسبة لي تتعلق بالأمن القومي.
أعتقد أن الأميركيين ما زالوا لا يفهمون المدى الكامل لسلطات الرئيس والأشياء التي يمكن أن يفعلها دونالد ترامب، المغلفة بالقانون، والتي من شأنها أن تلحق الضرر بالجمهورية»، وعدد تلك المخاوف في أن ترامب يمكنه «استدعاء السلطات التي لم نسمع من قبل رئيسًا للولايات المتحدة يتذرع بها»، والتي تشمل قرارات «احتمال إغلاق الشركات أو إيقاف الإنترنت، أو نشر الجيش الأمريكي على الأراضي الأمريكية».
المبارزة المحتدمة بين فريقي حملتي الرئيسين ترامب وبايدن حامية الوطيس؛ أيهما يرعب الناخب الأمريكي أكثر.
البارع في التلاعب بمشاعر ونفسيات الأمريكيين هو الذي سيفوز بالبيت الأبيض في نهاية السباق.