د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
كان للسعودية حضور قوي في كوب 28 المنعقد في دبي بعدما كافح المشاركون من أجل التوصل لصيغة اتفاق نهائي وتم تمديد المؤتمر إلى يوم 13 / 12 / 2023 الذي انطلق في 30 نوفمبر للوصول إلى اتفاق نهائي بسبب أن هناك وجهات نظر مختلفة للغاية، ولم يكن معروفا أين بالضبط الخطوط الحمراء لكل بلد، وخلال 28 عاما نادرا ما انتهت مؤتمرات المناخ في الوقت المحدد إلا أن رئيس كوب 28 وعد باتفاق تاريخي في 12 ديسمبر الذي يصادف الذكرى السنوية لإعلان اتفاق باريس الذكرى الذي يؤكد أنه يهتدي به، وذكر الوفود من 200 دولة أن المجتمع الدولي يتمسك بالطموح والهدف المتفق عليه دوليا للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية مهمة يسعى إليها المؤتمر.
تبنت دول غربية موقف تجاه التخلص من الوقود الأحفوري، بينما دول أوبك وعلى رأسها السعودية دفعت نحو موقف يعتمد على معالجة الوقود التقليدي والانبعاثات الناجمة عنه بما يحقق نموا اقتصاديا متوازنا، توافقت معها دول ذات اقتصادات نامية أو صغيرة لأن التخلص من الوقود التقليدي سيسفر عن ضربة اقتصادية كبرى لا يمكن تحملها وهو موقف لا علاقة له بمصالح الدول المنتجة وحدهم بل له علاقة بمصالح الدول الأخرى أيضا، بل اعتبرته الدول التي تعيش في مناطق نائية وغير نامية اتفاقا ليس عادلا وهذا الموقف لا يتعارض مع أجندات حماية البيئة والمناخ.
دعت أوبك عبر أمينها هيثم الغيص إلى رفض أي اتفاق يستهدف الوقود وليس الانبعاثات قائلا يبدو أن الضغط غير المبرر وغير المتناسب ضد الوقود قد يصل إلى نقطة تنطوي على عواقب لا رجعة فيها، فيما ينبغي الاهتمام بفكرة معالجة الانبعاثات من أجل أن يصل المؤتمر إلى أساليب واقعية تخفض الانبعاثات التي تحتاج إلى إشراك جميع الطاقات والتقنيات، نهج يمكن به تحقيق النمو الاقتصادي ويساعد في القضاء على الفقر، ويزيد القدرة على الصمود في الوقت نفسه، ولا يوجد حل أو مسار وحيد لتحقيق مستقبل الطاقة المستدامة، وشيء غريب أن إهمال بعض الدول الكبرى وإصرارهم على بدء حلقة جديدة من حلقات الدورات الصناعية العالمية بينما جانب كبير من العالم غير مستعد لها إطلاقا.
علق المبعوث الصيني للمناخ شيه تشن هوا أن هذه الدورة كوب 28 هي الأصعب خلال مسيرتي.. يوجد كثير من الأمور التي تحتاج إلى اتفاق، رغم أنه أكد إحراز بعض التقدم في المفاوضات المعقدة وأكد بقوله أننا نريد جميعا أن نعمل معا لإيجاد صيغة تعطي الاتجاه الصحيح للجهود التي يتعين بذلها، وتكون شاملة قدر الإمكان، ومقبولة من جميع الأطراف.
ما يهم السعودية وبقية الدول المنتجة للطاقة ألا يؤثر إعلان كوب 28 على صادرات الدول المنتجة للطاقة، وبالفعل الاتفاق أعطى لكل دولة الحق في اختيار المنهجية التي تحافظ على مصالحها، فيما السعودية تتجه نحو تحول الطاقة الذي يوازن بين تخفيض الانبعاثات ونشاطها النفطي، بل إن السعودية رائدة في هذا التحول من خلال مبادرة السعودية الخضراء ويصل عددها إلى أكثر من 22 مبادرة من مختلف الجهات لتعزيز التنوع الحيوي واستغلال الموارد وتحويلها إلى طاقة صديقة للبيئة ومكافحة الجفاف والحد من فقر الأمن الغذائي، وأن مواجهة تغير المناخ يجب أن تتعلق فقط بخفض الانبعاثات باستخدام التقنيات.
هناك أكثر من 100 دولة في كوب 28 وافقت على زيادة قدرات الطاقة المتجددة بثلاثة أمثال بحلول 2030 لكن هذه الدول لم تقدم تفاصيل تذكر عن طريقة تسريع زيادة مثل هذه القدرات إلى 11 ألف جيجاوات أي أكثر من 20 في المائة مقارنة بتوقعات بلومبيرج إن إي إف الحالية عند تسعة آلاف جيجاوات، ويعني ذلك زيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة بعد ستة أعوام، ووفق وكالة الطاقة الدولية فإن الاستثمارات بلغت في 2022 نحو 600 مليار دولار على مستوى العالم.
لكن هناك توترا في صناعة الطاقة المتجددة برمتها مثل نقص الإمدادات في كل شيء، من توربينات الرياح إلى المحولات، إضافة إلى ارتفاع تكلفة مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهناك حملات معارضة محلية لمشاريع الطاقة الكبرى، فبات الحصول على التصاريح تستغرق أعواما طويلة، ومشاريع ألغيت كما في الولايات المتحدة نتيجة خسائر ألمت بالشركات، وقد يستغرق نقل خطوط الجهد العالي الجديدة للتغلب على هذه الصعوبات عشرة أعوام أو أكثر للتخطيط والحصول على التصاريح والبناء، ما يجعل هدف 2030 أكثر صعوبة وهو ما أكد ذلك المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة بقوله لا أرى علامات واضحة على اننا مستعدون للتغلب على العوائق التي حددناها.
ووفقا لمركز إمبر لأبحاث الطاقة إن من المتوقع إضافة مستوى قياسي قدره 500 جيجاوات من الطاقة المتجددة عالميا في العام الحالي 2023 ارتفاعا من 300 جيجاوات عام 2022، وتؤكد وكالة الطاقة الدولية يجب أن يزيد الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة بأكثر من المثلين ليصل إلى أكثر من 1.2 مليار دولار سنويا بحلول 2030 وذلك لزيادة قدرات الطاقة المتجددة بثلاثة أمثال ووضع العالم على الطريق للوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول 2050.