م. بدر بن ناصر الحمدان
لم تعد إستراتيجية التواصل مع "الآخر" سواء داخل المنظمة أو خارجها مجرد ترف إداري أو جهد ثانوي لتحسين الصورة الذهنية فحسب، بل باتت اليوم تمثّل أحد أهم أشكال الثقافة المحترفة في بيئة العمل من أجل تأصيل عقلية "المنظومة المشتركة" سعياً لتعزيز ثقافة التمكين المتبادل، وهي نهج فعّال لجعل هذه المنظمة جهازًا "مُتاحاً" بخدماته وممكناته وأعماله تجاه ذلك "الآخر"، والذي قد يكون فرداً أو مؤسسة أو قطاعاً حكومياً أو خاصاً.
كراصد عن قرب لأحد الأمثلة المباشرة، أعتقد أن "هيئة التراث" كأحد أجهزة المنظومة الثقافية نجحت حتى الآن في هذه الممارسة المتقدمة من خلال توظيف قطاعاتها الرئيسة لتكون جزءًا من عمل الآخرين، ويكون الآخرون جزءًا من عملها، الحديث هنا عن منهجية الوصول إلى أعضائها الداخليين أو شراكتها مع أصحاب المصلحة خارج الهيئة وفق ما تتطلبه طبيعة أعمالها التي تعتمد على خلق شبكة من "الاندماج العملي" مع الجميع، لإيمانها بأن مهمة تنمية التراث لا يمكن أن تتم بمعزل عن الآخرين.
اليوم، لن تستطيع أي منظمة المضي قدماً والاضطلاع بمسؤولياتها وهي "منغلقة على نفسها" في جزيرة منعزلة، خاصة في هذا المناخ التنافسي السائد حالياً على مستوى الإدارة المحلية لأجهزة الدولة وفي ظل مؤشرات أداء واضحة ومحددة ومن الواجب تحقيقها ليس في دائرة مسؤوليات المنظمة فحسب بل ضمن مسؤوليات منظمات أخرى، لذا تظهر "إستراتيجية الوصول إلى الآخر" عنصر تفوّق مهم تؤمن به هيئة التراث وتعتمد عليه في فلسفة "التحوّل" و"إدارة التغيير" وتقديم نفسها كجهاز "مُنتج" وقادر على استثمار مُقدّراته.