د. تنيضب الفايدي
السعادة ضد الشقاوة، وهي تدلّ على خير وسرور خلاف النحس. وللسعادة معانٍ متعددة لا أريد الخوض فيها مفصّلاً فهي واسعة المعنى، وقد عرفها علماء النفس والتربية بأنها عبارة عن شعور داخلي يحسه الإنسان بين جوانبه يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير، نتيجة لاستقامة السلوك الظاهر والباطن. وهي بهذا المعنى قد تحصل لأيّ إنسان، إذا ما أخذ بأسبابها الموافقة لما يريد، لكن بصورة مؤقتة وليست على سبيل الدوام. السعادة والحياة للسلمي، (ص15).
في اعتقاد سقراط أن السعادة هي من النجاح الداخلي للشخص وليس من مكسب خارجي، وبتقدير احتياجات النفس يتم تقدير أبسط المبهجات. وقسّم بعض الباحثين السعادة إلى ثلاثة أنواع:
-1 السعادة الذاتية Subjective Well being SWB أو الشعور الذاتي بالسعادة ويدور هذا القسم حول كيف يكون الفرد سعيداً، وكيف يكون راضياً عن حياته.
-2 السعادة النفسية Psychological Well-being وهي تتميز عن السعادة الذاتية، وحيث تتعلق بالإيجابية أو الصحة النفسية الجيدة.
-3 السعادة الموضوعية Objective Well-being ويتضمن خمسة أنواع هي: السعادة المادية، والصحة، والنمو والنشاط، والسعادة الاجتماعية، والسعادة الانفعالية. الذكاء الوجداني وعلاقته بكلّ من السعادة (ص61).
إن السعادة في المفهوم الغربي عموماً هي راحة الجسم دون الراحة النفسية والسكينة الروحية، ولأجل ذلك فقد بالغت الحضارة الغربية في إعطاء الحرية الشخصية للإنسان،حتى يستطيع إشباع رغباته، وقد أوصلتهم هذه الحرية المطلقة إلى الانحطاط الأخلاقي، والقلق النفسي، والتفكك الأسري والاجتماعي، وغيرها من المشاكل. كما ركز دايل كارنيجي (Dale Carnegie) هو مؤلف أمريكي ومطور الدروس المشهورة في تحسين الذات ومدير معهد كارنيجي للعلاقات الإنسانية على السعادة في كتبه الثلاثة: (دع القلق وابدأ الحياة How to stop worrying and start living) و(كيف تكسب الثروة والنجاح والقيادة) و(كيف تكسب الأصدقاء)، ركز على السعادة وكيفية حصولها وطريقة طرد القلق، حيث حثّ على عمل الخير للآخرين، وقلة الاهتمام المالي؛ لأن أغلب منشأ الهموم الاهتمام بالمال وجمعه،كما ركّز دايل على العمل والوظيفة بل يقول: إن أطباء النفس يقولون إن العمل علاج، لذا يصفونه لمرضى الأعصاب بأن العمل دواء أي: العلاج بالعمل وأصبح جزءاً من المستشفيات النفسية أي: هناك قسم أساسي بها قسم العلاج بالعمل؛ لأنه يطرد القلق من الرأس، وقد ذكر دايل كارنيجي شواهد متعددة وتجارب أشخاص على حصول السعادة وطرد القلق. ويتضح من الدراسات البحثية وما صدر عن المفكرين في الغرب أنما يسعى الإنسان دائماً إلى تحقيق (الخير).
أما السعادة عند علماء الإسلام فقد قسّم الرازي السعادة إلى مراتب ثلاث: روحانية، وبدنية، وخارجية، أما الروحانية فتشمل العلم والعمل، والبدنية تشمل الصحة والجمال، والخارجية تشمل المال والجاه.
وقد قسّم الإمام الغزالي السعادة إلى قسمين: الأول: سعادة مطلقة، وهي السعادة الروحية التي اعتبرها أفضل أنواع السعادات وأشرفها؛ لأن لها صلة عظيمة بسعادة الآخرة. الثاني: سعادة مقيدة، وهي ما كانت مقصورة على زمان أو مكان محدد. أما الإمام ابن القيم فيرى أن أنواع السعادة التي تؤثرها النفوس ثلاث سعادات: الأولى: سعادة خارجية عن ذات الإنسان تتمثل في المال والحياة، الثانية: السعادة البدنية، وتتمثل في الصحة، واعتدال المزاج، الثالثة: السعادة الروحية (النفسانية) القلبية: وهي السعادة حقيقية. السعادة في المنظور الإسلامي للعامري، (ص73).
إن السعادة (happiness) حلم كلّ إنسان يسعى إلى تحقيقه لنفسه، حيث يبحث ويحاول أن تكون السعادة نصيبه، ليعيش سعيداً بعيداً عن الشقاوة والقلق والاضطراب والمعاناة وما شابه ذلك، ومن أجل ذلك يبحث عن تلك السعادة في أمور مختلفة، في المال.. في الجاه.. في النساء.. وفي الأولاد.. وفي الأمور الترفيهية وحتى في الزهد وتعذيب الجسد؛ لأنه يرى أن السعادة تكمن في تحقيق إرضاء تام للرغبات والملذات، لكنه لن يجد تلك السعادة التي يحلم بها مهما بلغ من أحلام أغلاها، بل قد يؤدي بعضهم إلى القلق والتوتر الشديد في حياتهم حتى يقدم بعضهم إلى الانتحار. فكم من الناس من تكون نهاية حياتهم مؤلمة ومؤسفة، مع وجود الأموال الطائلة في حياتهم؛ لأنهم ظنّوا بأن السعادة تأتي من هذا الطريق، والواقع كان عكس ذلك.
أما السعادة في القرآن الكريم فقد جاء في موضعين في سورة هود قال تعالى: يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ (105 - 108) سورة هود.
هذه الآيات جاءت في الحديث عن أهل الإيمان الذين امتثلوا أوامر الله في الدنيا حيث وصفهم بأنهم سعداء وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا ، قال ابن كثير: فمن أهل الجمع شقي ومنهم سعيد، والسعيد هم أتباع الرسل ومأواهم الجنة، ماكثين فيها أبداً، ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك. وقال القرطبي: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ أي: من الأنفس أو من الناس وقد ذكرهم في قوله: ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ ، والشقي الذي كتبت له الشقاوة، والسعيد هو الذي كتبت له السعادة، قال لبيد:
فمنهم سعيد آخذ بنصيبه
ومنهم شقي بالمعيشة قانع
وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله فعلام العمل، على شيء قد فرغ منه، أو على شيء لم يفرغ منه؟ فقال: بل على شيء قد فرغ منه، وجرت به الأقلام، يا عمر ولكن كل ميسر لما خلق له. وتتواصل الآيات إلى قوله: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ .
أما الأحاديث فقد وردت كلمة السعادة في الأحاديث صراحة في مواضع متعددة فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من سعادة ابن آدم استخارته الله ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضاه الله، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله عز وجل) رواه الإمام أحمد. وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع من السعادة: المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء وأربع من الشقاء: المرأة السوء والجار السوء والمركب السوء والمسكن الضيق). صححه الألباني، ويظهر من الآيات والأحاديث بأن السعادة لها مفهوم واسع. وهي نوعان: نوع ما يتعلق بالآخرة والحياة الأخروية وما فيها من نجاة من عذاب الله تعالى ونوع ما يتعلق بالوسائل الدنيوية التي تعين المسلم على السعادة مثل الجار الصالح، والمرأة الصالحة والدار الفسيحة وغيرها.
إن السعادة الحقيقية في القرآن الكريم تكمن في أن يكون قلب الإنسان عامراً بحب الله سبحانه وتعالى ورسوله، قال تعالى: أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ سورة الرعد الآية (28). وأن يكون عمله مطابقاً لما أمره الله سبحانه وتعالى ورسوله، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ سورة النحل الآية (97)، وأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة في حياته، فلا يلتفت إلى الدنيا وما فيها بحثاً عن السعادة، تاركاً السعادة الحقيقية؛ لأن السعادة الحقيقية هي الفوز بالجنة والبعد عن النار قال تعالى: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ سورة آل عمران الآية (185).