ناهد الأغا
حكاية تجاوزت حدود الأسطر والصفحات، ورواية عبرت إلى عميق من الأحداث والبطولات، ليست قصة عشق فحسب، بل هي العشق بذاته وتجلياته، وجمال المكان المفعم بعبق الذكرى وأريج وعنفوان راسخ إلى ما لا يعرف النهاية.
الرياض، وماذا عساني أقول حينما تلفظ شفتاي اسمك العزيز في قلبي، وتعصف الذكريات والحنين، والأمل بالقادم، فلا يعود لحدود الزمان والمكان وجود ولا كيان، مدينة ساحرة بجمالها وروحها النابضة، التي آسرت عقول وأفئدة أدباء وشعراء، نظموا فيها أروع القصائد وأجودها لفظا ومعنا، وتغزلوا بجمالها الحسي والمعنوي، لدرجة تشعر فيها وكأن من يقصدها الشاعر هي محبوبته، أدركت ذلك حينما قرأت «أنت الرياض» للشاعر السعودي الكبير الوزير والسفير الأسبق معالي الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- أبصرت جمال الرياض الحسي والمعنوي بدرجة تقترب كثيرًا من جمالها العمراني المتميز، فينصهر الشعور بالمحبة والعشق بين الحبيبة الإنسية والرياض المدينة والعاصمة، فكأنهما بروح نابضة، كاشفًا عن جمال مدينته الحسية والمعنوية، في آن واحد بثنائية جميلة ومتناسقة، بافتتان كما وصف ذلك، فانتظمت حروفه وقوافيه، بإنشاده:
كأنك أنتِ الرياض
بأبعادها بانسكاب الصحاري
على قدميها
وما تنقش الريح على وجنتيها
وترحيبها بالغريب الجريح
على شاطئيها
وطعم الغبار على شفتيها
أحبك حبي عيون الرياض
يغالب فيها الحنينُ الحياء
أحبك حبي جبين الرياض
تظل تلفحه الكبرياء
أحبك حبي دروب الرياض
عناء الرياض صغار الرياض
وحين تغيب الرياض
أحدق في ناظريك قليلا
فأسرح في الوشم والناصرية
وأطرح عند خريص الهموم
وحين تغيبين أنتِ
أطالع ليل الرياض الوديع
فيبرق وجهكِ بين النجوم
وفاتنة أنت مثل الرياض
ترق ملامحها في المطر
وقاسية أنت مثل الرياض
تعذب عشاقها بالضجر
ونائية أنت مثل الرياض
يطول إليها إليك السفر
وفي آخر الليل يأتي المخاض
وأحلم أنّا امتزجنا
فصرتُ الرياض
وصرتِ الرياض
وصرنا الرياض
تنير الرياض بالمحبة والعشق وجه الحياة كاملاً، وتشرق بنبض الروح، ولمعان العينين، وديمومة لا تعرف التوقف لحظة، مهما اشتد سواد الليل وحلكة العتمة، فهي عنوان الأمل والازدهار الذي لا تمحوه الأيام، كما ألهمت الشاعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، حين لاح له وجه الرياض، فأنار النفس والكوامن، كما أُنيرت الطرق والعمران، وقامت الحياة فيها مزدهرة بألقها وعنفوانها الفائق للعيان، فتشعر بجمال الصورة الفنية والتصويرية والنفسية بهذا الشعور في أبيات قصيدة «الليالي الوضح»، وتلمس الإشعاع المشرق لهذه المدينة والعاصمة الجميلة..
في الليالي الوضح..
والعتيم الصبح..
لاح لي وجه الرياض..
في مرايا السحب..
كفّها فلة جديله من حروف..
وقصة الحنا طويلة.. ف الكفوف
من نده عطر الرفوف..
لين صحاه..
إلى أن يصدح بجميل العبارة:
آه.. ما ارق الرياض تالي الليل..
أنا لو أبي..
خذتها بيدها.. ومشينا..
يا نصيبي من الصور.. والرسايال
ومن كل شمس قايمه.. ومن كل ظلٍ مايل..
يا مكاني من البيوت..
ومن الصحاري اللي.. فرقت فكري قبايل..
آه ما للرياض في نفسي من منزلة، ومكانة في قلبي، ورعشة شوق وعشق لا يوصف، عندما أستذكر مسيرتي الجميلة فيها على مدى ثلاثة عقود من الخير والخصب والذكريات الجميلة، وكم يؤسفني أنني لا أنظم الشعر، لكي أصوغ أجزل الأبيات في محبة الرياض وإلفها، واستحضر أبيات للشاعرة اليمنية هناء محمد في محبة الرياض:
إذا قيل الرياض ذكرتُ أمّي
وبسمةَ والدي وهناءَ عمري
وطيفَ طفولةٍ وصبايَ يهدي
لأيّامِ الشبابِ جميلَ زهري
ويحكي للتفاؤلِ عن أمانٍ
نمت وترعرعت بحقولِ صبري
إذا قيل الرياض غرقتُ شوقاً
وبحرُ الشوقِ ياعشّاق يغري
ما أبهاك وأجملك يا «الرياض» الخير، فإلهامك امتد إلى الشعراء من مختلف البلدان، التي تفيؤوا ظلالك، ونعموا بخيرك، وأحبوك بصدق ووفاء، كما أحببتك، فتعصف بي أيام الصِبا والشباب عابرة في مسيرتها الجميلة، بما أنعم الله عليَّ، حفظك الله يا عاصمة الخير والحُسن والجمال ودمت الواحة الوافرة، ذات الظلال.