د. غالب محمد طه
هل بدأت السعودية في تسجيل مرحلة جديدة في التاريخ الحديث؟
ربما حان الوقت تماماً للباحثين والمفكرين في وضع أسس حقيقية ومختلفة لتعريف التخلف الحضاري للمسلمين، وتغيير دفة تلك المفاهيم التي سادت لأزمان طويلة بفعل الآلة الإعلامية الضخمة التي كرست لهذه المفاهيم من أجل دوافع مختلفة، أهمها تنميط المجتمعات الإسلامية ومنعها من التطور من أجل أن تظل أسيرة للفكر الغربي، وجعل عقول وأفئدة الشعوب الإسلامية تتطلع دومًا إلى التحليق والافتنان بالغرب وبكل ما يحمله من تطورات تقنية وفنية وإلخ..
نعم لقد حان الوقت وأزف لتغيير تلك الصور واستبدالها بالصورة الحقيقية، صورة الأمة المسلمة باعتدال ووسطية، رغم ما أشيع بأن المسلمين ما هم سوي أقوام لا يجيدون سوى الاسترخاء والأكل والشعر.
فاليوم يجب أن تمحى من ذاكرة الأمة ذلك التنميط المخل بالشخصية المسلمة، بعد أن تبدت تلك العورات التي سقطت جراء المواقف الغربية من حرب غزة وازدواجية المعايير ونفاق المجتمع الغربي في التعاطي مع الأزمات الإنسانية بمستوى واحد، واتضح مدى هشاشة الفكرة الحضارية الغربية وسقوطها من الذهنية العربية الإسلامية لما تحمله من مزايدات مبنية على الانتماء وليس على القيمة الإنسانية، فإن كان التطلع إلى الغرب من أجل المباني الشامخة، فهنا في السعودية نمتلك المباني والمعاني، والأبنية الشاهقة الساحرة الباهرة وحيث رؤية متقدمة تسندها تكنولوجيات حديثة، وقيم أخلاقية راسخة وثابتة ومتينة، والأهم من ذلك إرث ديني عظيم.
السعودية تريد إنشاء حضارة جديدة للغد، "نحتاج إلى تشجيع الدول الأخرى على الاستمرار في فعل الشيء نفسه من أجل كوكب أفضل".
الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي
إن المشاريع العملاقة التي انطلقت بقوة في السعودية ستكون ملجأً لطالبي السياحة ومرتادي السفر وهواة الرحلات، وستتحول وجهة الكثيرين من الذين اتضح لهم زيف الحضارة الغربية وخوائها من القيم الإنسانية إلى دولة تتوفر فيها كل مقومات الحداثة والتطور والأمان، فمشاريع مثل مشروع القدية عاصمة الترفيه ومشروع نيوم ومشروع البحر الأحمر الذي يعتبر طموحاً لا حدود له، ويعتبر الأوّل من نوعه في الشرق الأوسط من حيث تكامله بين المنتجع الترفيهي ومتعدّد الاستعمالات، بل يعتبر المنتجع السياحي المستدام الأنجح في العالم باتباع سياسة "صفر تلويث"، وحديقة الملك سلمان بمساحتها التي تبلغ مساحته أربعة أضعاف متنزّه نيويورك ستكون شاهداً على النهضة الخضراء والتي ستقدم خيارات متنوعة رياضياً وثقافياً وفنياً وترفيهياً وستسهم في تحسين جودة الحياة.
هذه المشاريع العملاقة كفيلة بتغيير الصورة الذهنية وإعادة رسم الخارطة الفكرية، السعودية اليوم صارت منطقة تتوافق مع أعلى معايير الحداثة والتطوّر العالمية وتضم مختلف الجنسيات من حول العالم، فالمملكة الآن مؤهلة تماماً لتصبح المنطقة "كوزمزبوليتانية" للعالم الحديث حيث تستند على رافعة دينية "مهبط الوحي" "وأرض الحرمين"، وتستند على أسس متينة تتمثل في الدين واللغة والتاريخ والحضارة والشخصية المميزة، ولا شك أن هذه المقومات كفيلة بأن تجعلها شامخة أمام كل محاولات النيل منها.
فنراها قد استوعبت منذ القدم أعداداً كبيرة من الوافدين إليها من جميع الدول العربية والإسلامية، عملوا في كل قطاعات الدولة، واليوم نرى تحول مواطني دول مثل الهند وباكستان بنغلاديش وسريلانكا والخ.. وحتى مواطنو الدول الغربية قد انصهروا وتخلقوا بأخلاق الإسلام السمحة المجيدة، برغم اختلاف ألسنتهم ودياناتهم فأصبحت المملكة وطناً لهم، فتحول الكل يجيد بعض اللغة العربية بالإضافة للغته الأم فامتزجت الثقافات وتعددت، فصاروا مطلعين على ثقافات مختلفة، صاحبها فكر منفتح وسلوك متدين فتحول الفرد من حيث جنسيته إلى مواطن عالمي من حيث سعة تفكيره وثقافته فأفاد واستفاد.
ومضة أخيرة.. كل ما يبحث عنه السائح اليوم "شرقي أو غربي" صار متاحًا في السعودية بداية من الملاعب الرياضية الفخمة وبداخلها يتبارى أفضل وأشهر لاعبي الكرة العالمية، مروراً بالمسطحات الخضراء والبيئة المستدامة، وكل ذلك مؤسس بتكنلوجيا عصرية متطورة ستجعل من السعودية قريباً المنطقة "الكوزموبوليتانية" التي يبحث عنها العالم.
وأخيراً جداً، لابد أن نحلم بذلك الحلم العظيم، حلم باستعادة ذلك العالم العظيم الموحد القوي الذي بدأت فيه كل العلوم، وازدهرت، ثم رحلت غرباً، واستعادة عالم تتوحد فيه الإرادة والقيم والهدف وينساب فيه العلم والقوة من المحيط إلى الخليج، اتصالاً واقتصاداً وثقافة، حلم فجرته تلك الرؤية العملاقة للسعودية، التي استشرف صانعوها المستقبل بكل مآلاته وتغييراته، فعالمي (عالمنا) لا تنقصه القوة ولا الإمكانيات لينطلق ويسود العالم كما كان.
** **
- مدينة حفر الباطن