سهوب بغدادي
"لا تحدقي بي هكذا... أنت بين اللهفة واللهفة... والغياب مدينة شحيحة... في صباحات فيروزية النكهة... البرد في الباب وصباحات الرياض مزدحمة الضوء".
في مثل هذا الوقت من شهر ديسمبر لعام 2003 كتب الأديب والشاعر القدير الأستاذ إبراهيم الوافي قصيدة "صباح الرياض" في ديوان بعنوان "أعذب الشعر امرأة".
وكان سبب كتابة القصيدة انتقاله إلى مدينة الرياض في ذلك الوقت الذي كانت فيه زوجته حفظها الله في المستشفى، فكان يتحمل فراقها ورؤيتها مريضة إلى جانب دوره كأب لأطفال صغار، فشعر وقتها الوافي أن "شتاء الرياض بلا أصدقاء" بل قاسٍ جدًّا، فالوجوه والأماكن والطرقات تنكره تارة وينكرها هو تارة أخرى، بلا شك، إن الانطباع الأول تتداخل في مضمونه عوامل عديدة، ومن أبرزها الشعور الطاغي في تلك اللحظة أو الفترة في حياة الإنسان، ويقال في هذا السياق، إن الانطباع الأول هو الأخير، ولكن، هل تصح هذه المقولة على كل الأحوال؟
إن الانطباع قد يتبدل إلا أنه يستلزم مراحل عديدة قبيل التحول الكلي عن الفكرة الأساس، كما حصل مع شاعرنا الوافي في بداية قدومه إلى الرياض، أما الآن فلقد تبدلت نظرته كليًّا، بل أضحى الشعور مناقضًا لما مضى، بل إنه قال "شتاء الرياض غواية السياحة للمملكة ومن لا يجيء الرياض شتاءً محروم".
لا أخفيكم أن المملكة وما تشهده من تطورات شاملة على جميع الأصعدة والمجالات تبهر القلوب والعقول، كما يقال "المعنى في بطن الشاعر" فعلًا كانت تلك القصيدة المؤلمة تدور في فلك صاحبها، بخلاف عدد من دواوين ذات الشاعر التي قد تتسم بمشاعر أخرى، إذ تتمثل سيرة الشعر في الشاعر في نصوص عديدة على سبيل المثال ديوان "ما يشبه الخبز فينا" الذي وظف السيرة المقلوبة مع استخدام التشبيهات والصور البلاغية البديعة واللغة الرصينة البهية، ختام القول، الشعر حياة.
"إذا كان الشعر العربي الحديث قد أحيي في مصر وازدهر في العراق ثم افترّ في الشام فإن بوصلته اليوم تتجه نحو الجزيرة العربية".