د. محمد بن إبراهيم الملحم
حديث المجتمع هو حول تصريحات معالي وزير التعليم -حفظه الله- في حديثه إثر صدور الميزانية، حيث ذكر أن الوزارة ستكون جهة تشريعية، وستتولى شركة تطوير التعليم القابضة (بأذرعها المختلفة من شركات تابعة لها) عمليات تنفيذ التعليم في المدارس... ولم يتضح من خلال هذا التصريح المجمل ما المقصود بما ستقوم به شركة تطوير؟ وهل سيدخل القطاع الخاص غير شركة تطوير في هذا المجال أيضاً؟ (مثلاً من خلال التعاقد من الباطن)، وكثير من الأسئلة والتعليقات المشابهة لذلك باتت تدور في المجالس وفي المنصات الإعلامية وغير الإعلامية حول هذا التوجّه، والذي أطلقه معالي الوزير في عمومية لم تُوضّح أوجه هذا التخصيص.
والوقفة هنا ليست مع كلمة معاليه، فهو مشكور إذ قدم لنا باختصار موجز نوايا الوزارة فيما ستُقدِم عليه، وإنما في عدم توفر إعلام تربوي يدعم مثل هذه التصريحات الوزارية بتفاصيل مناسبة، والتي لا يتوقع من معالي الوزير أن يقدّمها في كلمته وليس هذا دوره وليست هذه مهمة معاليه كوزير، لذلك يتوقع أن يتبع مثل هذا النوع من التصريحات جهود إعلامية واضحة تقدم التفاصيل المناسبة لشرح هذا التوجّه لعامة الناس وكذلك للمختصين، وذلك حتى لا يُترك التصريح العام نهباً لمناقشات في خارج إطار ما تنويه الوزارة أو يذهب الفكر بعيداً أو تكون التغريدات خارج السِّرب، وهذا يعني أن الإعلام التربوي يفترض أن يكون جاهزًا لمثل ذلك، وإذا لم يكن جاهزًا بمعلومات كافية مثلاً فيجب عليه أن يبادر فورًا عند ورود مثل هذا التصريح إلى جمع المعلومات اللازمة حتى لو تأخر قليلاً في إصدار تصريحات إعلامية لاحقة، ولكن لا يجب أن يُترك الأمر هكذا بتصريح عام لا يعقبه توضيح مناسب، ونتيجة ذلك أن تبدأ بعدها اجتهادات من لهم اتصالات بالوزارة أو من لديهم حسابات في السوشال ميديا ويأخذون (طرف علم من فلان أو علان) فينشروا في حساباتهم بعض التفاصيل، وقد لا تكون بالضرورة دقيقة، وهكذا تصبح أنشطة وزارة التعليم نهبًا للشائعات، وهو ما يحدث من وقت لآخر في الواقع، ولهذا فقد تساءلت في عنوان مقالتي عن الإعلام التربوي، ليس لأنه غير موجود فحسابات السوشيال ميديا متوفرة والإدارة المختصة موجودة وتتفضل بنشر أخبار الوزارة وأنشطتها، لكن هذا ليس هو المأمول منها بل هو الصورة الكلاسيكية المحدودة للإعلام التربوي والتي تجاوزها الزمن..
وعلى سبيل المثال فقد دخلت على الحساب الرسمي لوزارة التعليم في منصة إكس (تويتر) لعلي أعثر على أية تفاصيل حول ما ذكرته أعلاه ولكني لم أجد سوى تغريدات عادية حول أنشطة الوزارة من وقت لآخر (مسابقات أو منافسات أو ما نفذته من منجزات)، وفي إحدى التغريدات وضعت ملخصًا لما ورد في حديث الوزير ولكن لم يرد به شيء عن هذا الذي نتحدث عنه (أي أن الوزارة ستكون جهة تشريع والقطاع الخاص سيكون جهة تنفيذ)، مع أهميته الكبرى للمجتمع التعليمي والمجتمع العام!
ولفت نظري أن الملخص تضمن فقرة تذكر أن الوزارة نجحت في رفع مستوى الالتحاق برياض الأطفال إلى 33 %، وهو منجز كبير جدًا تُشكر الوزارة عليه أشد الشكر، فالمختصون يعلمون أن مرحلة رياض الأطفال مرحلة حساسة لها تأثيرها اللاحق في المرحلة الابتدائية حيث تنعكس على اكتساب مهارات العلم والتعلم الأساسية وكذلك التكيف مع المرحلة الابتدائية مما يسرع ويحسن من اكتساب المعارف، ويظهر دور هذه المرحلة في كل السنوات التالية وصولاً إلى الجامعة. ولطالما كانت لدينا معاناة في تراجع نسبة الالتحاق، ومع اهتمام الوزارة الكبير في السنوات الأخيرة بهذه المرحلة كان نتاجه ما ذكره معالي الوزير من إنجاز، وكل الشكر للوزارة والعاملين فيها وعلى رأسهم معالي الوزير، وشاهد القول هنا أن مثل هذا الموضوع المهم كان يجب أن يكون محل اهتمام الإعلام التربوي في إبراز هذا الإنجاز العظيم ليفهمه المتلقي العادي، فلا يكون مجرد فقرة ضمن مجموعة ملخصات عن كلمة الوزير، بل كان ينبغي على الإعلام التربوي أن يقدم تفاصيل توضح للمتلقي العادي كيف أن هذا الإنجاز 33 % هو رقم كبير مهم، ولا شك أن ذلك سيتطلب مزيدًا من الصور والأرقام التي تعكس سرعة نمو قطاع رياض الأطفال وبعض ملامح جهود الوزارة من أجل تسريع هذا النمو سواء من خلال أرقام أو إنفوجرافيك أو عروض فديوية ممتعة تجذب المشاهد ليتعرف على هذا المنجز. وعلى هذا يقاس أمر المنجزات الأخرى التي نجحت فيها الوزارة ولكن لم ينجح الإعلام في إيصالها إلينا بالزخم المتناسب مع قيمتها، وما لم يتحرك الإعلام التربوي خارج الصندوق سيظل السؤال: أين الإعلام التربوي؟
** **
- مدير عام تعليم سابقاً