اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
وتأسيساً على ذلك فإن محدودية مساحة الدولة العبرية وضحالة عمقها وازدحامها بالسكان تستدعي عدم إطالة الحرب حيث إن الوقت والمسافة لاتسمحان بانتظار وصول المساعدة الخارجية في الوقت المناسب، ويعني ذلك من الناحية العملية استخدام القوة الغاشمة بشكل مفرط والاعتماد على القوى الخارجية لتحقيق الهدف المرحلي مع التذرع بذريعة الدفاع عن النفس والتخفي خلف شعار أمن الحدود لتبرير موقفها وكسب التأييد والدعم الخارجي.
وللتغلب على صعوبات ضيق المساحة وضحالة العمق والتكيف مع قيود الموقع الأخرى، وفي سبيل تنفيذ المخطط التوسعي الصهيوني الذي رسمته الصهيونية لإقامة الدولة اليهودية الكبرى فإن المذهب العسكري الصهيوني يؤكد على نقل المعركة إلى خارج الأرض المحتلة، وينظر إلى الانسحاب المدبر في أي معركة بأنه هزيمة، كما يعتمد على الحرب الخاطفة قصيرة الأمد والدعم الخارجي مع الحرص على حماية الدولة وضمان بقائها وتوسعها وتأمين مستقبلها واستمرارها.
وعيوب موقع الكيان الصهيوني ومكامن ضعفه يغلب عليها مواطن قوته، فمزايا الموقع المذكورة في مستهل المقال تطغى على عيوبه، ووجوده في قلب الوطن العربي نجم عنه تمزيق أوصال هذا الوطن، وفصل مشرقه عن مغربه علاوة على ما يتيحه توسط الموقع لقوات العدو من قدرة العمل من خطوط داخلية وذلك بالانقضاض السريع نحو الأطراف الخارجية على هيئة عمليات تعرضية متتالية.
وبعد حرب عام 67م توفر بعض العمق الاستراتيجي للدولة العبرية نتيجة لاحتلالها مناطق عربية وما طرأ من تغيير على الأوضاع الجغرافية علاوة على ما ترتب على الاتفاق المصري الصهيوني من انفصال القضية الفلسطينية عن عمقها العربي وتحول الصراع إلى صراع فلسطيني صهيوني، كل ذلك أتاح للكيان الصهيوني إمكانية التعامل مع العمل من خطوط خارجية بمرونة مستغلاً زيادة المساحة والتفرد بالقضية الفلسطينية وغياب الإرادة العربية وتمزق الصف العربي وتشتته.
ومنذ أن تأسست الدولة الصهيونية على أرض فلسطين وهي تسعى جاهدة إلى التوسع مهما تظاهرت بأنها ملتزمة بتطبيق سياسة الوضع الراهن والإبقاء عليه، إذ إن من يلقي نظرة فاحصة على مراحل توسعها منذ قيامها حتى الآن يتضح له بجلاء أن الأرض التي تحتلها أو تنوي احتلالها داخل فلسطين أوخارجها تقع ضمن المخطط المرسوم لدولة اليهود الكبرى التي رسمتها الحركة الصهيونية.
وقد حددت الغاية الصهيونية أرض فلسطين وبعض المناطق المجاورة لها كمجال حيوي لإقامة الدولة العبرية بوصف العامل الجغرافي والديمغرافي هما أبرز أهداف الصيهونية والمحور الذي تدور حوله غايتها التوسعية، الأمر الذي دفع الكيان الصهيوني في فلسطين إلى أن يتعمَّد البقاء بدون حدود سياسية معلنة وحدود ديمغرافية واضحة ليتيح له ذلك التوسع على المستويين الجغرافي والديمغرافي كلما سنحت الفرصة.
وسياسة التوسع تعد محوراً تتمحورحوله استراتيجية الدولة الصهيونية وتنظر إليها بأنها خط ثابت ومستمر ومتصاعد يستند إلى اعتبارات دينية محرفة وأيديولوجية مزيفة تتخذ منها مبرراً للتوسع مع الربط بين الأمن والتوسع واعتبار القوة والغزوهما السبيل إلى ذلك.
ونظرية الأمن والحدود الآمنة والدفاع عن النفس من أهم المبررات التي تستخدمها دولة الصهاينة لتبرير ممارساتها التوسعية، وهذه المفاهيم تعتبر مفاهيم حركية يمتد مجالها الحيوي إلى خارج الدولة العبرية والتعامل معها وتطبيقها يستدعي إيجاد مجال للمناورة والتوسع على حساب الدول المجاورة.
وحتى يكون التوسع متاحاً فلابد من توفر عناصر نظرية الأمن القومي بالنسبة للكيان الصهيوني وهذه العناصر تشتمل على القوة العسكرية والطاقة البشرية والاستعمار الاستيطاني واقتصاد الحرب وامتلاك التكنولوجيا المتطورة وتأمين الدعم العسكري الخارجي.
وما يحدث في غزة من حرب دامية وجرائم قتل ممنهجة وممارسات عدوانية مبرمجة ضد الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين العزل، علاوة على تدمير البنى التحتية وهدم المساكن على رؤوس سكانها واستهداف المرافق التعليمية والصحية وأماكن العبادة والقضاء على جميع مقومات الحياة في قطاع غزة، ما هو إلا إبادة جماعية وتصفية بشرية يعقبها تهجير قسري وتطهير عرقي بهدف القضاء على البشر وتدمير المقر وتجريد المنطقة من السلاح وأي شكل من أشكال المقاومة لتجعل منها الدولة العبرية حزاما أمنيا توطئة لمراحل تالية من التهجير والتطهير في الداخل والتوسع في الخارج طبقاً للمخطط الصهيوني المرسوم الذي يتم تنفيذه على مراحل بدعم من قوى الاستعمار والامبريالية.
والمشروع الصهيوني الجاري تنفيذه هو جزء من المشروع الأمريكي في المنطقة للعبث فيها وإعادة تقسيمها من جديد، وهذا المشروع تم تصميمه لمصلحة الكيان الصهيوني وضد الأمة العربية ويشترك في تنفيذه دول مجاورة تكره العرب وتتربص بهم الدوائر ولها وكلاء وعملاء في بعض الدول العربية، وتلتقي أهداف هذه الدول ذات النزعة القومية المعادية للعرب مع أهداف الصهيونية وقوى الاستعمار التي تحاول التطاول على الأمة العربية وتهميش دورها القومي والحضاري.
وكفى بما يحصل في المنطقة العربية واعظاً أيها العرب والمؤامرة التي تحاك ضد الأمة تستدعي تحرك الأمة الجاد والتحالف مع أي دولة إسلامية فاعلة لمنع التصعيد واحتواء الموقف الذي ينذر بعواقب وخيمة يصعب معها تصور الوسيلة ما لم تكن الغاية واضحة والنوايا صالحة مع التخلص من أدران الماضي وآفاته واستباق الأحداث قبل فوات الأوان وفقدان العنوان.