زفَّ الاتحاد السعودي للهجن بشارة مهرجان مولاي خادم الحرمين الشريفين لسباقات الهجن في نوفمبر 2024 بجوائز بلغت 70 مليون ريال سعودي، كافتتاحية مباركة للعام الجديد، وقد شهد قطاع الهجن مؤخراً نهضة نوعية بعد إنشاء الاتحاد السعودي للهجن في فبراير عام 2018م لتنظيم هذا القطاع وتطويره.
احتفى ملاك الهجن بالمملكة بهذا الدعم السخي والكبير من مولاي خادم الحرمين الشريفين، بل وتجاوز الاحتفاء بهذا المهرجان إلى الأشقاء ملاك الهجن في دول مجلس التعاون الخليجي، والدول العربية وغيرهم من الملاك من الدول الأوروبية والغربية، كون هذا المهرجان يعد الأول عالمياً في ميزانيته، وأنه يحمل طابعاً خاصاً كونه يحمل اسم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أدامه الله، وفي منطقة لها أثر كبير في نفوس عشاق التراث.
ومن جهة أخرى، فهذا المهرجان يحمل أبعاداً أخرى لها دلالات تاريخية في رعاية المملكة العربية السعودية للتراث بكل عناصره والتي من ضمنها سباقات الهجن، ومن هذه الأبعاد على سبيل الذكر لا الحصر:
البعد الثقافي/ التراثي: ويأتي ذلك من خلال ارتباط اسم الجنادرية بتأسيس رياضة سباقات الهجن على المستوى المحلي والدولي والتي سيقام عليها هذا المهرجان، إضافة إلى نشر وتعريف المجتمعات المحلية والدولية بالتراث الثقافي السعودي من خلال مهرجان الجنادرية السنوي، الذي يُعد الأول والأكبر من نوعه على المستوى العالمي، حتى أصبح رمزية للتراث وهوية ثابتة وعلامة جودة وسمة تمتد لأكثر من 40 عامًا. بالإضافة إلى ذلك، رعاية الهجن لجميع مكوّنات وعناصر التراث الأخرى وفقاً لعادات وتقاليد المجتمع، مما يجعل هذا الكيان حاضنة للتراث الثقافي بجميع تفاصيله.
البعد الحضاري: تحتل الهجن مكانة رفيعة في حياة البشرية، وتحتضن أرض المملكة العديد من الشواهد على هذا الجانب من خلال دور الهجن في حياة الأمم والحضارات التي عاشت على أرض المملكة لفترة ما قبل الميلاد حتى هذا التاريخ، وهذا ما تنقله الفنون الصخرية على جبال المملكة بجميع جهاتها، مروراً بالطرق التجارية القديمة التي كانت تمر على أرض المملكة من جنوبها إلى شمالها وعابرة للحدود، وكذلك في الفترة الإسلامية من فتوحات إسلامية ونشر للإسلام، وعبر طرق الحج، ووصولاً إلى دورها الكبير والفعّال في توحيد هذا الوطن العظيم.
وقد كان عابرو هذه الطرق يبحثون عن الإبل ذات مواصفات محددة (قلّة اللحم وتحمّل المسافات الطويلة، وخفّة الحركة)، وهذه مواصفات الهجن، كما أن العديد من الفنون الصخرية أرّخت السباقات عبر نقوش يظهر فيها الجمل والشداد والراكب، وفي هذا الجانب تعتبر الهجن واحدة من مكونات البعد الحضاري للمملكة. واليوم أصبحت الهجن تلعب دوراً حضارياً بارزاً من خلال الرعاية الكريمة والدعم والكبير المتمثل في مهرجان خادم الحرمين الشريفين الذي سينطلق فبراير القادم، وكذلك مهرجان ولي العهد للهجن بالطائف والذي سُجّلت أعداد الهجن المشاركة فيه هذا العام 2023 في موسوعة جنيس كأعلى رقم عدد مشارك في سباق للهجن، حتى أصبحت بيئة جاذبة لعدد من الملاك الدوليين.
البعد الاقتصادي: تعتبر الهجن ثروة اقتصادية بحد ذاتها، وقبل صدور التنظيم لهذا القطاع كان اقتصاد الهجن مبعثرًا، ولم يأخذ مكانه كرافد اقتصادي، رغم حضوره في الأسواق العامة، أو في أسواق السباقات التي كانت تقام، ولكن مع بدء التنظيم الإداري أصبح رافد الهجن الاقتصادي في مسار القياس والأثر الواضح ليس من خلال المواد والاحتياج الاستهلاكي للهجن فقط، بل من خلال الإنسان نفسه، وانفاقه المستمر من خلال المشاركة في المهرجانات والسباقات المحلية والإقليمية. وقد أثبتت الهجن هذا الدور بعد فوز مهرجان ولي العهد للهجن بالطائف 2023 بجائزة مكة للتميز الاقتصادي، حيث لعب المهرجان دوراً كبيراً في تعزيز الحراك الاقتصادي بمحافظة الطائف والمناطق الجنوبية القريبة من الطائف. ومن زاوية أخرى لهذا البعد المهم، فالمهرجات التي تقام لسباقات الهجن تخلق فرص عمل موسمية وأخرى دائمة، وهو ما انعكس على رعاية الهجن كتطوير مستمر ورعاية للإنتاج من خلال النقل من منطقة إلى أخرى في موسم المناخ، وهذه من التفاصيل التي يهتم بها ملاك الهجن وهي الركيزة الأساس لتطوير ودعم السباقات. ومع الدعم الكبير لهذا القطاع، أصبحت الهجن بيئة خلق وظائف من قبل المؤسسات والأفراد التي تملك هجن السباق بأعداد عالية، علاوة على الجوانب الاستهلاكية المستمرة لمستلزمات الهجن اليومية للتدريب أو السباق، ومتطلبات سنوية ثابتة وقت عسف وتطبيع الهجن...الخ، وفي هذا تفاصيل لا يتسع المجال لذكرها.
البعد الاجتماعي: ومن العناصر الملموسة، والتي لها أثر كبير هو البعد الاجتماعي داخل الأسرة، والمجتمع المشارك في ميدان السباق في المنطقة/ المحافظة، وعلى مستوى مناطق المملكة، ووصولاً إلى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث ساهم هذا القطاع بتعاون الأب والأبناء وتواجدهم المستمر في فترات ما بعد العمل، وما لهذا الأمر من تعزيز للترابط العائلي والرعاية المباشرة، وامتداداً إلى تعزيز الترابط في المجتمع الواحد من خلال التواجد في نادي سباقات الهجن، وتمكين العلاقات بين أبناء الوطن الذين لم يكونوا على قلب واحد قبل توحيده على يد المؤسس -طيب الله ثراه- وصولاً إلى العلاقات الاجتماعية مع الأشقاء في دول الخليج، وقد وصلت هذه العلاقة إلى المصاهرة بين أبناء الوطن وأبناء دول الخليج، وهو أمر يصعب أن يتم بهذا الحجم، إلا أن سباقات الهجن جمعتهم، وعززت الألفة والمودة وصولاً إلى التراحم في الأزمات والاحتياجات التي يمر بها البعض، وهم يطبقون في ذلك حديث حق المسلم على المسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).
لذلك، فإن الأثر الذي سيخلقه مهرجان مولاي خادم الحرمين الشريفين سيكون ذا شأن على مستوى هذه الأبعاد وغيرها، وسيكون هناك أثر اقتصادي كبير في العاصمة الرياض من قبل بدء المهرجان، كما أنه من المتوقع أن موسوعة جنيس ستحتضن رقماً آخر، وسيكون سابقةً في الأرقام القياسية بأن ينافس القطاع نفسه في فترة زمنية متقاربة لدولة واحدة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون هذا المهرجان محط نظر ووجهة للقنوات الإعلامية الدولية التي ستنقل من خلاله هذه الثقافة إلى خارج حدودها المعهودة. كما أن المهرجان رسالة عالية الأهمية في اهتمام الدولة -رعاها الله- بالتراث الوطني، ورعايته وتطويره كأحد المكونات التي تتميز بها المملكة العربية السعودية.
من الجدير ذكره، أن تاريخ المهرجان فبراير 2024 يتزامن مع تأسيس الاتحاد السعودي للهجن في فبراير 2018.
وفي الختام، لا تكفينا عبارات الثناء والشكر لمولاي خادم الحرمين الشريفين على هذا الرعاية الكريمة، وسمو سيدي ولي العهد على ما قدمه للنهوض بهذا القطاع وجعله قطاعاً مؤسساتياً منظماً ضمن قطاع الدولة.
** **
- مرضي بن سعد الخمعلي