عبدالرحمن الحبيب
في عام 1926، قامت شركة فورد للسيارات، تحت قيادة هنري فورد، بتأسيس نظام عمل أسبوعي مدته ثماني ساعات يوميّاً لمدة خمسة أيام بدلاً من ستة أيام. افترض فورد أن عدد أيام عمل أقل بنفس الأجر من شأنه أن يزيد الإنتاجية من خلال بذل جهد أكبر أثناء العمل. بعد ذلك، في أزمة الكساد الكبير (1929 - 1939)، وبسبب ارتفاع معدلات البطالة، برزت فكرة العمل الأسبوعي لمدة ست ساعات وخمسة أيام. الفكرة تمددت في الوقت الراهن، إذ تفكر بعض المؤسسات في ما لم يكن ممكناً تصوره قبل بضع سنوات: تقليل أسبوع العمل إلى أربعة أيام، بسبب حالات التوتر والإرهاق لدى الموظفين.
أسبوع العمل لمدة أربعة أيام فكرة مثيرة للجدل. فهل هي فكرة جيدة؟ أم أن هناك طرقًا أفضل لتعزيز رفاهية العمال وزيادة إنتاجيتهم؟ وهل يخلق ذلك بيئة عمل أفضل حقًا؟ تقول واحدة من آخر وأكبر الدراسات إن الموظفين الذين يعملون أسبوعياً لمدة أربعة أيام يقيِّمون حياتهم عموماً بشكل أفضل، لكن تظهر أسابيع العمل الأقصر نسبة أعلى من الموظفين غير المنخرطين في العمل، فيجب على أصحاب العمل التركيز على تحسين تجربة العمل أولاً (من كتاب «صدمة ثقافية» لمؤسسة غالوب). ويقول تقرير غالوب إن الأساس هو مكان وبيئة العمل وليس عدد أيام العمل سواء كانت أربعة أو خمسة أو حتى ستة أيام، فتدقيقنا الأخير لمكان العمل، استناداً إلى المقابلات مع موظفين أمريكيين، يُظهر أنه على الرغم من وجود معدل أعلى بكثير من الرفاهية بين أولئك الذين يعملون لمدة أربعة أيام في الأسبوع، فإن أسبوع العمل الأقصر يرتبط أيضاً بمستويات أعلى من عدم ارتباط الموظفين بأعمالهم.
بالمقابل، تدعم بعض الدراسات تقليل عدد ساعات العمل في الأسبوع. وجدت تجربة أجريت في أيسلندا بين عامي 2015 و2019 أن تقليل ساعات العمل مع الحفاظ على نفس الأجر زاد الإنتاجية؛ وأفاد الباحثون أيضاً أن الموظفين الذين لديهم أسبوع عمل مدته أربعة أيام كانوا أقل إرهاقاً وأعلى رفاهية. في اليابان، يتم حث أصحاب العمل على السماح لموظفيهم بالعمل لمدة أربعة أيام كل منها 10 ساعات. وأعلنت اسكتلندا مؤخراً عن سياسة خفض ساعات العمل بنسبة 20 % دون انخفاض في الأجر. كما خفضت إحدى الشركات النيوزيلندية ساعات عمل موظفيها من 37.5 إلى 30 أسبوعياً، وسمحت لهم بتحديد الأيام التي سيعملون فيها. وتقوم حالياً بريطانيا بتجربة مدتها ستة أشهر لأسبوع العمل المكون من أربعة أيام وتأثيره على رفاهية الموظفين وإنتاجيتهم. وتجري أيضاً دراسات تجريبية مماثلة في إسبانيا وإيرلندا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا.
حسب تقرير استطلاع آخر لغالوب في 2022، قال 8 % فقط إنهم يعملون أربعة أيام في الأسبوع، بزيادة 5 % عن عام 2020، بينما قال 84 % إنهم يعملون خمسة أيام، وقال 8 % إنهم يعملون ستة أيام؛ وكانت النتائج العامة: أن أولئك الذين يعملون ستة أيام بالأسبوع لديهم أعلى معدلات إرهاق، وأدنى نسبة من الرفاهية العامة المزدهرة وأعلى معدلات عدم الارتباط النشط. أما أولئك الذين يعملون خمسة أيام بالأسبوع فلديهم أعلى معدلات المشاركة وأدنى معدلات الإرهاق، في حين أن أولئك الذين لديهم أسابيع عمل مدتها أربعة أيام كان لديهم أدنى قدر من عدم الارتباط النشط، لكنهم لم يتمتعوا برفاهية مزدهرة أعلى بكثير مقارنة بأولئك الذين يعملون خمسة أيام في الأسبوع. كما أبلغوا عن معدلات إرهاق أعلى مقارنة بأولئك الذين يعملون خمسة أيام بالأسبوع.
النتيجة أن العلاقات معقدة بين الوقت والعمل والرفاهية، والمشكلة ليست في عدد أيام العمل، بل في مكان العمل حسبما خلص إليه التقرير، فثلثا أو أكثر من الموظفين المشاركين يزدهرون في حياتهم بشكل عام بغض النظر عن عدد أيام عملهم في الأسبوع. كما وجد تحليل للسكان العاملين في سبع مناطق من العالم أنه بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من انخفاض الرضا الوظيفي ولا تتاح لهم الفرصة للقيام بما يجيدونه، فإن زيادة ساعات عملهم أدت إلى انخفاض في التجارب اليومية الإيجابية وتقييمات الحياة. لكن النتيجة كانت مختلفة تماماً بين الموظفين الذين يتمتعون برضا وظيفي أعلى وفرصة للقيام بما يجيدونه: فالتجارب اليومية الإيجابية وتقييمات الحياة لم تتدهور بشكل كبير عندما زاد عدد ساعات عملهم كل يوم من خمس إلى عشر ساعات.
في حين أن أسابيع العمل لمدة أربعة أيام قد تكون فكرة جيدة لبعض الأفراد أو المنظمات، فإن السياسات التي تسعى إلى التحكم في «التوازن» بين العمل والحياة تعتمد على افتراضين مشكوك فيهما: أن العمل هو أمر سيئ حتماً، وأن الإدارة تعرف ما هو الأفضل للجميع. المشكلة الحقيقية هي أن معظم الموظفين تتم إدارتهم بشكل سيىء حسب التقرير. على الصعيد العالمي، هناك ما يقرب من ثمانية من كل 10 موظفين غير منخرطين بشكل نشط في العمل. والتوصية أنه إذا ركز أصحاب العمل، بدلاً من تقصير أسبوع العمل، على تحسين جودة تجربة العمل، فسيتمكنون من التأثير الإيجابي على حياة موظفيهم بمقدار ثلاثة أضعاف تقريباً.