سلمان بن محمد العُمري
في عصرِ تفشِّي الأمراض المستعصية -الجسدية والنفسية- كان من الطبيعي أن نرى سوقاً رائجة للرؤى والرقى، بادئ ذي بدء أقول إنني لست ضد الرقية الشرعية والرؤى بأحكامهما الشرعية المنضبطة وفق الكتاب والسنة، بل ضد المتطفلين عليها والمسترزقين منها والذين يعبثون بصحة الناس ويفسدون عليهم دينهم ودنياهم، والرقية الشرعية تشرع للمصاب، وغير المصاب؛ لأن الرقية دعاء، والدعاء كما في الحديث: عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدُعاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ، وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ، فَعَلَيْكُمْ بالدعاء) رواه الترمذي.
ولا خلاف بين العلماء المعتبرين على أن تعبير الرؤى ثابت بالسنة النبوية الصحيحة، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ).
وتعاليم الإسلام وأحكامه واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وما أشكل على الناس في أمور دينهم، فهناك من العلماء الربانيين الذين يفتون ويجيبون ويوضحون المسائل والأحكام الشرعية.
وفي زمن المتغيرات الحياتية المتسارعة، ومع التوسع في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الذي أصبح الحصول على المعلومة في وقت يسير لا يتجاوز الدقائق، انتشرت الفتاوى الكاذبة المضللة، وزادت الخزعبلات والخرافات ممن دخلوا الساحة بلا علم ولا أخلاق لابسين عباءة الدين واستغلاله؛ فبعضهم باسم القراءة «الرقية الشرعية»، بل والمعالجة من الأمراض وحتى تقديم الوصفات العلاجية، وفئة أخرى دخلت سوق الأحلام والرؤى للتعبير والتفسير حتى وصل حال البعض منهم إلى المغيبات التي لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
ومع يقيننا التام أن هناك العديد من الرقاة والمفسرين والمعبرين للرؤى ممن نحسبهم من الأخيار والموفقين ولا نزكي على الله أحداً، وجلهم ممن يحتسبون الأجر والثواب من رب العالمين في تعبيرهم للناس، وتفريج همومهم، فإننا نرى آخرين انتهزوا واستغلوا شغف الناس ورغبتهم في تعبير الرؤى كبوابة للشهرة والتجارة في تلك السوق الرائجة كحال الداخلين في سوق الرقية من قبل، والتي ساهمت بعض القنوات الفضائية في الترويج لهم، وعزز من حضورهم انتشار وتعدد وسائل التواصل الاجتماعي ليس من جانب الذكور، بل حتى الإناث أضحى لهن نصيب في عالم التفسير والرقية.
والرقية الشرعية أباحها الإسلام، لتخفيف آلام الناس، والشارع الحكيم رغب فيها إذا كانت منضبطة بالضوابط الشرعية، لغرض نفع المسلم إخوانه، والأخذ بالأسباب الشرعية، لإزالة الضرر والألم عن المسلمين.
ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحة عن جابر -رضي الله عنه- قال: لدغت رجلاً منا عقرب، ونحن جلوس مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فقال رجل من القوم: أرقيه يا رسول الله؟ قال: (من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل).
وقد كان منهج الصحابة، والتابعين، والسلف الصالح تجاه الرقية، منهجاً معتدلاً وسطياً، لا إفراط فيه ولا تفريط، وكان الأصل أن يرقي الرجل نفسه بنفسه عند نومه، أو إذا ألم به وجع، أو أن يرقى نفسه بالأذكار المشروعة، تحصيناً لنفسه. ومجتمعنا على فطرته مجتمع متدين، وسيلجأ بأية وسيلة إلى كل راق خاصة حينما يتيه بحثاً عن العلاج في كل مكان!! وهنا سيتلقفه «بعض الرقاة» الذين أساءوا للدين وأنفسهم قبل أن يسيئوا إلى الرقاة الشرعيين الثقات وذلك بممارستهم الدونية واللا أخلاقية، وابتزازهم للناس المحتاجين بالمال، وتلك النوعية من الرقاة هم من زاد الأمر تفاقماً حيث تجاوزوا موضوع الرقية إلى الكشف عن الأمراض، وتشخيص الداء، حتى عن بعد عن طريق الهاتف، أو القنوات الفضائية، وبرامج التواصل الاجتماعي، فيحكمون على هذا بأنه محسود، وذاك مسحور، وذاك معيون!
أهل العلم اتفقوا على أن الرؤيا الصادقة من الله تعالى وأن التصديق بها حق، ولا ينبغي أن تعبر إلا من أهل العلم العارفين بالتأويل كما أن فيها من بديع صنع الله وجميل لطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه، ولم ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد من قدامى ومحدثين، وقد ورد في القرآن الكريم عن الرؤى والأحلام ما يقطع كل جدل، فقد جاء الحديث عن الرؤيا في أربع سور: (يوسف، والإسراء، والصافات، والفتح).
لقد أدى تفسير الرؤى إلى أمور خطيرة من بعض مدعي العلم والمتطفلين عليه، وقد سمعت عن حالات طلاق وانفصال بين الأزواج نتيجة لتفسيرات خاطئة من (جهال) وتقبلها بعض السذج من النساء ومن الرجال وكأنها وحي منزل، فهناك من قالوا لها إن هناك من أهل الزوج من وضع لك سحراً وهناك من قالوا له إن هناك خيانة زوجية في بيتك، وهناك من شككوا في سلوكيات أولاده وبناته، وهناك من أوهموه بالفشل في الدراسة والعمل وأحبط وصدق الخبر وحالات يشيب لها الرأس، وهناك من أوهموه بالمساهمة في شركة معينة فخسر ما وراءه، وبعضهم أصبح يتصل بمعبري الرؤى قبل الدخول في أي شركة، وهناك رؤى حول هذا النحو وهكذا. إن من الأهمية بمكان أن يقوم العلماء والدعاة وطلبة العلم والخطباء، بتبصير الناس بأمور دينهم، ومنها بيان أحوال الرقية الشرعية، وتوضيح شروطها، وقواعدها، وآدابها، وتحذير الناس من المتاجرين بآلام الناس، وحاجتهم، وأن يتثبتوا من أهلية من يرقي قبل الذهاب إليه، فقد يكون من المشعوذين والمتطفلين على الرقية، وكثير من مشكلات الرقية سببها اندفاع الناس نحو بعض الأشخاص مجهولي الحال لمجرد توصية من فلان أو فلانة، أو معلومات وردت في برامج التواصل الاجتماعي التي أسهمت في نشر كل صالح وطالح، وكذا الحال ممن دخل سوق الرؤى والأحلام، حتى أصبحت مهنة من لا مهنة له..!