د. محمد بن إبراهيم الملحم
معلمين كول Cool يعني «حلوين»، أو «ظريفين»، أو ربما تستطيع القول إنهم «شبابيين»، واسمحوا لي لأستخدام هذا العنوان للتعبير عمّا أريد التعبير عنه؛ فهي المفردة الأكثر قرباً لهذه الفئة من المعلمين، فهم أولاً شباب في بداية رحلتهم المهنية غالباً، وثانياً هم يتحلون بالروح المرحة والانطلاق في الحياة، والنظر بإيجابية إليها، لقد قفز هذا المصطلح إلى رأسي بعد تأمل ما قاله لي أحد الأبناء في المرحلة الابتدائية، أن أستاذهم يلعب معهم في المساء ألعاب البلايستيشن أون لاين، أي أنه في منزله وهم في منازلهم أيضاً، كل أمام جهاز البلايستيشن، ويدخلون في لعبة تحدٍّ جماعي أو فرق مع بعض، سألته أمتأكد أنت مما تقول؟ أستاذكم يلعب معكم! قال مستغرباً: نعم، وتعجبه في الحقيقة واقعي ومنطقي، فجيله بكامله لا يجد في هذا التصرف غضاضة، أو ما ينزل من قدر معلمهم في أعينهم: معايير جديدة تختلف عن معاييرنا، ولا بد أن نتفهمها.
قلت له: وهل أستاذكم هذا مجتهد معكم في تدريس مادته؟ قال نعم، قلت: هل تحبونه؟ قال: بالتأكيد، ثم سألته متبسماً: ما رأيك في لعب أستاذك؟ قال لي: بصراحة ليس ممتازاً، فنحن كثيراً ما نغلبه، هنا انطلقت مني ضحكة تلقائية لم أستطع كتمها، فكل معلمي العالم رأيتهم ينطوون تحت وطأة هذه الجملة، وصدق ديستوفسكي فيلسوف الفن والمسرح في مقولته: عندما نأتي المسرح ونضحك أو نبكي فإننا لا نضحك أو نبكي إلا لأن ما نشاهده متحقق فينا، فنحن إذن نضحك أو نبكي على أنفسنا.
لا أجد ما أقيم به مسألة المعلم الكول إلا الاستسلام لواقع الفروق التي يخلقها جيل بعد جيل، والسبب ليس من قبيل الاستسلام المحض، بل إني وصلتني بعد هذا الحوار بيومين تقريباً مجموعة صور لطلاب مدرستي المتوسطة الذين تلوني بسنين قلائل، وبينهم مدير المدرسة الأستاذ القدير عبدالعزيز بن عبدالله المهنا -حفظه الله-، والذي كان أيضاً مدير مدرستي، وقبلها عاصرته كمعلم لمادة التاريخ أيضاً، وشدني في هذه الصور، إحداها يظهر فيها مديرنا ومعلمنا القدير باللباس الرياضي في رحلة طلابية، وفي صورة أخرى يمزح مع أحد الطلاب، وأنعشت كل هذه الصور ذاكرتي حول هذه الشخصية الجميلة عندما كان كمعلم يلعب معنا في الفسحة أو في بعض حصص الرياضة وقت فراغه كرة السلة، والتي كان من أبطالها في فريق نادي هجر بالأحساء، وقد لعب معنا أيضاً تنس الطاولة، وكرة القدم من فترة لأخرى، وذلك في وقت لم يكن فيه بلايستيشن ولا حتى أتاري! وكانت ألعاب الرياضة في حكم هذه الألعاب اجتماعياً عند مقارنة الأمور بنسبية، ولم يكن لهذه المشاركات أن تؤثر البتة في علاقتنا به كأستاذ، بل قربته منا أكثر، وهو ما سهل مهمته كمدير مدرسة لاحقاً، عندما كلف بإدارة المدرسة.
نقطة التركيز هنا هي تأملي للجيل الذي سبقنا بعشر سنوات مثلاً (جيل الستينيات) وهل كان سيتقبل أن يشارك المعلم طلابه الرحلة باللباس الرياضي، أو يمزح معهم، أو يلعب معهم مباريات من وقت لآخر! الجواب لا في الأعم الأغلب.
هذا التباين بين ذينك الجيلين مع نجاح تجربة الاقتراب من الطالب بالرياضة، جعلني أؤمن أكثر بأن التباين الذي أراه اليوم بين جيلنا والجيل الجديد لا يختلف عن ذلك التباين ويتوازى معه بامتياز، مهما كان موضوع الاختلاف غير متوقع أو مفاجئ لنا، طالما ثوابت حسن الأداء والوقوف عند حدود الأخلاق وحسن التعامل، تمت المحافظة عليها، وتحية مني إلى كل معلم كول يجعل طلابه يحبون مادته، ويقدم لها ما تستحقه من العطاء.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً