د. إبراهيم بن جلال فضلون
«العزيز هنري أي كيسنجر» كما سماه أنور السادات، اللاجئ اليهودي الألماني الهارب من الاضطهاد النازي في ألمانيا، رجل من فئة الرجال الذين يجيدون، أو يتقنون، حياكة الهالة حول أنفسهم، مُحاطاً بالكثيرين من البهلوانيات في أعماله،كان يمتلك 99.9 % من أوراق اللعبة السياسية الأمريكية ومنها سياسة سلطة «الأمر الواقع»، وقبول واقع سيناء والجولان والقدس، وهو القائل: «نحن عند التدخل في القضايا نمسك بخيوط اللعبة وليس بالضرورة حلها»..
فخدم السياسة البراغماتية الأمريكية على مدار 100 عام عاشها، بدماء وحروب في كل مكان، حتى بعد خروجه من أروقة وكواليس السياسة الأمريكية بقيت أفكاره مُسيطرة على العقل السياسي الأمريكي المُتبلد المشاعر لكونه يأتمر بأوامر الماسونية الصهيونية العالمية، التي غاب عنها في أسبوع واحد، كيسنجر، صاحب «القرن الدبلوماسي»، وتشارلي مونغر (99 عاماً) صاحب «قرن البورصة وصانع المليارات».
لقد كان هناك بعض الدبلوماسيين الأمريكيين الآخرين، أكثر تأثيراً في دبلوماسية القرن الماضي مع كيسنجر، أمثال «جورج إف كنان، وأفريل هاريمان، وجورج مارشال (صاحب مشروع إعادة بناء أوروبا)»، لتخلف كيسنجركوندوليزا رايس، في مشواره الدموي بالتهجير والتفتيت وتقسيم خارطة «الشرق الأوسط» الجديد، والتي بدأ تنفيذها بمسلسل الربيع العربي بحجة نشر الديمقراطية التي انتهت بالفوضى والدمار في ليبيا وسوريا والعراق ونجت مصر وتونس من المخطط الماسوني الماكر، فهو من صاحب السياسات المنقذة لـ»إسرائيل» في جميع حروبها، بقاعدة سياسية بلهاء «الأرض مقابل شراء الوقت والاستقرار وليس السلام» السلام الذي يعتبره هو مشكلة وليس حلا، يحتاج فقط لدموية بشرية ولو على حساب حقوق الإنسان في الشرق الأوسط المغلوب على أمره، ليستحق بلا منازع كغيره وكنيتنياهو وسلفهُ شارون مُجرم حرب بجدارة، بدعمه حروباً وانقلابات تخدم مكاسب شركات السلاح في الصهيونية التي تعتبر تجارب لها وعلى أراضينا.
باختصار: بوفاة الثعلب العجوز أو سيد اللعبة، يرقدُ مع أمثاله ممَّن قُتلوا في فيتنام وحروبٍ أخرى. تاركاُ إرثاً دموياً.. وشهداء وأطفال وخدج ونساء فلسطين والعالم أجمع، الذي يرزح تحت احتلال رؤي أمثاله، فقد يظهر من هو أكثر دهاء وخبثا من العجوز الثعلب المكروه عند مُعارضي الحروب. الحقيقة، لا أحدَ كان راضياً عنه، حتى أهله اليهود المحافظون والليبراليون، لأن الأفكار لا تموت إلا بدحضها بأفكار مُضادة، كالوحدة والإيمان وليس بموت أصحابها، ممن يرزحون في عذابات الرحمن،
معترفاً ذات مرةً: «لو لم أكن يهودياً، بصدفةِ الولادة، لكنتُ معادياً للسامية». وعند خرق إسرائيل الهدنةَ مع مصر 1973، قالَ عنهم: «شعبٌ يُضطهد لألفي عامٍ لا بدَّ أنَّه ارتكبَ فعلاً سيئاً». ليعتذر كما اعتذر نيتنياهو عندما ألقى اللوم على الجيش والشاباك، وهو الذي رأى في منطقتنا العربية سوقاً غنياً، وهناك قلةٌ منا تعرفُ قصةَ كيسنجر والسعودية بعد أحداثِ 11 من سبتمبر، وتصنيفها كدولةً عدوة، وهو من أفشل الاجتماع لا حباً فيها بل لأن النفط سلعة حيوية أهم من أن يترك لنا كعرب، ولو أدى لتدخل عسكري كما فكروا في ذلك عند حظر المملكة النفط في عام 1973، فيقول: «من يسيطرُ على الغذاء يسيطر على الناس، ومن يسيطرُ على النفطِ يسيطر على الطاقة، أما من يسيطر على الدولار فهو يسيطر على العالم.
لقد مات كغيره تاركا تاريخاً، ملوثاً بالدماء، وإزهاق الأرواح، فماذا يفعل الآن عند أحكم وأعدل خالق، وهو من يستجيب لدعوة مظلوم، فما بالك بدعوات مليارات منهم، وأبنائهم جيلاً بعد جيل!!.