د. أحمد محمد القزعل
بدايةً فإن مفهوم كلمة الشرق رغم استعمالها منذ أكثر من ألفي سنة، لكن ليس لها مفهوم واضح، فهي تعني في نظر الأوروبيين جميع الأقطار ما عدا سيبيريا وكثيراً ما يطلق على الصين واليابان اسم الشرق الأقصى.
أما وصف قارة آسيا بأنها الشرق وقارة أوروبا بأنها الغرب، فيعود إلى زمن اليونان عندما كان الناس يعتقدون أن الأرض مسطحة والقسم المعمور منها محدود، ثم تبدل مفهوم الشرق في عهد الرومان عندما كانت روما مركز المعمورة، فأطلق لفظ الشرق على البلاد الواقعة في الجهة الشرقية من إيطاليا، ثم اكتسب مفهوم الشرق مضموناً آخر بعد ظهور الإسلام وتأسيس الدولة الإسلامية، فأصبح الشرق رمزاً للدين الإسلامي وحصل تحوير طفيف في مفهوم كلمة الشرق بعد قيام العثمانيين واتساع فتوحاتهم، فأصبح الشرق مرادفاً للدولة العثمانية؛ لذلك أطلقوا اسم المسألة الشرقية على مجموعة المشكلات التي نجمت عن الصراع بين العثمانيين والأوروبيين، وكلمة الاستشراق مأخوذة من الشرق ولعله يمكننا تفسير كلمة الاستشراق على أنها جزء من النشاط العلمي الذي تبذله البلاد الغربية لدراسة تاريخ الشرق وشعوبه ولغاته وآدابه...
وهناك مناهج شتى أو على الأقل صيغ متغايرة في التعامل مع الواقعة التاريخية، فالمنهج الذي يعتمده رجل لاهوت مثل الأب هنري لامنس يختلف عن المنهج الذي يعتمده بلاييف المفسر المادي للتاريخ، وثمة فرق واضح بين مستشرق وآخر كوليم مونتغمري مثلاً والأب لامنس حيث نجد من خلال الدراسة والبحث أن مونتغمري أشد إخلاصاً ومصداقية في دراسة تاريخ الشرق والحضارة الإسلامية، فيما نجد الأب لامنس بعيداَ كل البعد عن الموضوعية والمنهج العلمي في دراسة ذلك.
وهناك مئات الكتب التي ألفت لمحاربة الإسلام منها على سبيل المثال لا الحصر: كتاب ميزان الحق الذي ألفه د.فاندرالمستشرق الأمريكي والذي ساق الأباطيل في محاولة تشويه الإسلام والحضارة الإسلامية.
وتشير المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه إلى أن رجال الأسقف أحرقوا مليوناً وخمسة آلاف من المجلدات العلمية التي هي حصيلة جهود العلماء المسلمين في الأندلس خلال ثمانية قرون.
ومن وحدة الهدف والأطماع انبثقت العلاقة الوثيقة بين الاستشراق والاستعمار منذ بداية الحروب الصليبية حتى مابعد ولادة الحركة الصهيونية والدليل على ذلك أن المستشرق أرينست رينان كان يعمل مخططاً للاستعمار الفرنسي في حقبة من الزمن.
ومن ناحية أخرى نجد الكثير من المستشرقين خدموا تاريخنا الإسلامي، وكانوا حريصين على التعمق والبحث المخلص منهم العلامة جوستاف فون جروينباوم الذي يقول: «ليس ثمة ميدان من ميادين الخبرة الإنسانية لم يضرب فيها الإسلام بسهم ولم يزد ثروة التقاليد الغربية فيها غنى».
ويقول العلامة المتدين بارتلمي سانت هيلر: «لقد تعلم أشرافنا وفرساننا رقة العواطف ولين الطبائع وحسن الأخلاق من العرب».
وفي المحصلة هناك من يرفض رفضاً مطلقاً معطيات الحركة الاستشراقية، وهناك من يقبلها بالكلية والتسليم المطلق والأسلم هو التعامل مع المادة الاستشراقية من خلال اتباع منهج البحث العلمي والتدقيق والتمحيص؛ عندئذ يمكننا أن نحكم على المادة الاستشراقية بالأخذ أو الرفض.