د. علي بن صالح الخبتي
هناك ثلاثة أنواع من ذكاء العلاقات أحدها سماه هاورد قاردنر أستاذ علم النفس في جامعة هارفرد ضمن نظريته (الذكاء المتعدد ضمن تسعة أنواع من الذكاء سماه الذكاء الاجتماعي ويعني معرفة الآخرين inter-intelligence والآخر سماه بيتر سالافوي وجون ماير «الذكاء العاطفي» emotional intelligence والثالث سمته كاثرين مكدانلدز ذكاء العلاقات.. وبالرغم من اختلاف تعريف كل واحد منها إلا أنها تصب جميعاً في خلق علاقات متميزة على المستويات الشخصية أو على مستوى الأعمال.. ومهارات الذكاء (العلائقي) أو ذكاء العلاقات لا تقل أهمية عن المهارات التقنية أو أي مهارات أخرى في مكان العمل.. بل إن بعض كبريات الشركات في أمريكا وأكثرها نجاحاً توظف وتعتمد فقط على موظفين يتمتعون بهذا النوع من الذكاء ومنها شركة ويسترن ايرلاينز على سبيل المثال .. وقال لي أحد أساتذتي في جامعة ميتشجن ستيت (جاك بين) والمتخصص في الاتصال إن شركة جئ إم سي أعطته مليوناً ونصف مليون دولار لإعداد بحث في التواصل الناجح وتدريب لجنة مكلفة بالتفاوض مع حكومة إندونيسيا لتأسيس مصنع لسيارات جم إم سي هناك لضمان تواصل وعلاقات ناجحة وعدم ارتكاب أي خطأ أثناء التفاوض مع مفاوضي الحكومة الإندونوسية..
وأنواع الذكاء هذه يمكن تطويرها بمجرد العمل عليها. ويفيد النوع الأول، الذكاء الاجتماعي، في قدرتنا على الفهم والتفاعل بفاعلية مع الأشخاص من خلفيات وثقافات ووجهات نظر متنوعة. وينطوي على القدرة على التكيف والانفتاح والاحترام تجاه الأفراد الذين لديهم معتقدات أو قيم مختلفة. كما يفيد في مواقف حقيقية مثل استيعاب الثقافات والتقاليد المختلفة لتنمية الوعي والحساسية الثقافية ويكفل تحقق استماع فعَّال وطرح أسئلة توضيحية لفهم وجهات نظر الآخرين وكذلك الانخراط في مناقشات شاملة وخلق بيئة يتم فيها تقدير آراء الجميع. كما يفيد الذكاء العاطفي القدرة على التعرف على عواطفنا وفهمها وإدارتها، بالإضافة إلى التعرف على مشاعر الآخرين والاستجابة لها بشكل فعال. ولتطبيق الذكاء العاطفي في مواقف حقيقية يمكننا ممارسة الوعي الذاتي من خلال تحديد مشاعرنا والمحفزات التي تؤثر عليها. وتنمية التعاطف من خلال وضع أنفسنا مكان الآخرين ومحاولة فهم وجهات نظرهم ومشاعرهم. وكذلك استخدام تقنيات التواصل الفعالة، مثل الاستماع النشط لنقل مشاعرنا وفهم مشاعر الآخرين.
ويركز النوع الثالث من الذكاء، الذكاء العلائقي، على بناء علاقات صحية مع الآخرين والحفاظ عليها، بما في ذلك مهارات التواصل الفعال والعمل الجماعي وحل النزاعات وبناء الثقة. ويفيدنا هذا النوع من الذكاء على بناء تواصل مفتوح وصادق من خلال التعبير عن النفس بوضوح واحترام، وتشجيع الآخرين على فعل الشيء نفسه. وتعزيز التعاون والعمل الجماعي من خلال تقييم الآراء المتنوعة والعمل على تحقيق الأهداف المشتركة. وكذلك إدارة الاختلافات بشكل بنّاء من خلال التركيز على إيجاد الحلول بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين، واستخدام مهارات الاستماع والتفاوض الفعال.
وأرى أن هذه الثلاثة أنواع تتداخل ولها هدف واحد هو اتصال ناجح مع الآخرين وتلعب دوراً في تفاعلاتنا معهم.
كما تعني هذه الأنواع من الذكاء في مجملها القدرة على التواصل مع الآخرين داخل مكان العمل وبناء الثقة المتبادلة والنجاح في ذلك.. قد لا يكون ذلك موجوداً في الوصف الوظيفي في كثير من الشركات والمؤسسات، لكن القدرة على التواصل الصادق مع الآخرين والنجاح فيه واظهار الصدق والمحبة هي مهارات قيادية مهمة على مستوى المؤسسة داخلياً وعلى مستوى التعامل مع الآخرين..
ونعرف أن إدارة الأفراد أحد أصعب جوانب القيادة... ولكنها تصبح أكثر متعة عندما يتمتع القادة بذكاء العلاقات ويعد التواصل وإمكانية الانسجام أمرين مهمين في بناء الثقة والتعاون والفهم بين الأفراد والجماعات. وعلى مستوى القادة يحقق لهم هذا النوع من الذكاء المحبة من قبل من يعملون معهم لأنهم بهذه الصفة يكونون ودودين ومنفتحين على الأفكار الجديدة. كما يشجع هذا الانفتاح أعضاء فريقهم على مشاركة أفكارهم واهتماماتهم، دون خوف، وهذا مهم لأن ثقافة السلامة النفسية لها أهمية قصوى في تطوير فرق عالية الأداء.
وخلاصة القول، من المهم أن نلاحظ أنه على الرغم من إمكانية تعلم هذه الذكاءات وتطويرها، إلا أنها تتطلب ممارسة مستمرة ورغبة حقيقية في التحسين. إن إدراك أهميتها وتطبيقها بنشاط في سياقات مختلفة يمكن أن تساعد في تحسين العلاقات في المنزل والعمل وبالتالي تحسن الأداء وجودة المنتج أياً كان نوع ذلك المنتج.