عبده الأسمري
في سيرته اجتمع الزهد والمجد وفي شخصيته ارتبط الجد مع الود أميراً في الأسرة المالكة.. أخاً للملوك وأباً للأمراء.. يتخفى حين الأفضال بشخصية المحسن ويظهر عند النوائب بهوية العضيد.
بنى صروح «اليقين» بهمة ذات نقية ونفس تقية اتخذت من الإنسانية «عنواناً» ومن الوطنية «ميداناً» حاصداً غنائم «الخيرات» وموزعاً مغانم «المسرات» في أعمال دؤوبة وأفعال دائبة اعتمدت على «التدين» وتعامدت على «التيقن» وانطلقت من أعماق «الدين» إلى آفاق «اليقين».
إنه صاحب السمو الملكي الأمير ممدوح بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله أمير تبوك السابق ورئيس مكتب الدراسات الإستراتيجية الأسبق الابن التاسع والعشرين من أبناء الملك عبد العزيز.. صاحب المسيرة العريضة التي رصدتها أعين الآخرين وحفظتها قلوب المراقبين.. ورسمتها عقول المحايدين.
بوجه تعلوه سمات الوقار وصفات الاعتبار وملامح أبويه عفويه يملؤها الحنان ويسكنها الاطمئنان ولحية بيضاء أكملته قدراً واقتداراً وسحنة أميرية باهية كساها الشيب والطيب وعينين تسطعان بنظرات التواضع ولمحات اللطف وتشعان بإضاءات الرحمة والسرور تلمعان حين التلاحم وتدمعان حيث التراحم ومحيا أنيق حافل بالوفاء ويتشابه مع أخواله آل الشعلان وطلة زاهية مسجوعة بالصفاء تتقاطر منها سمات التقى والنقاء وشخصية نبيلة الطبع أصيلة الطباع جميلة التواصل ودودة الوصال لطيفة المعشر سخية اليد كريمة المد, قضى الأمير ممدوح من عمره عقوداً وهو يؤسس ملاحم من العطاء التنموي والسخاء الخيري والانتماء الوطني كأحد أفراد الأسرة المالكة ووجه وطني محبوب له رونقه الخاص وبريقه المختص في المحافل الرسمية والمنصات الوطنية والوقفات الإنسانية.
ولد عام 1939 وعاش في كنف والده الذي نهل من مدرسته «الباذخة» بالحكم معاني «السخاء» ومعالم «الرخاء» وتعتقت أنفاسه بنفائس «المعارف» وتشربت روحه أنفاس «المشارف» في بلاط أبيه الذي تعلم فيه أصول القيم وفصول الشيم فكبر وفي قلبه موجبات «التربية» ووسط وجدانه عزائم «التوجيه» فتعلم العلوم الدينية والشرعية والعلوم المختلفة وقرأ باكراً في «أمهات» الكتب و»مجلدات» العلم على أيادي علماء أفاضل وسط وصايا «حثيثة» من والديه للظفر بكنوز «المعرفة» المستديمة من بحور «التعلم» المستمر.
ركض مع إخوته بين القصور الملكية مدفوعاً بدوافع «الذات» ومشفوعاً بمنافع «الإثبات» وظل يلقي أمنيات الطفولة وتوجهات البطولة على مسمع والده وعلى مرأى أسرته فكان «موطن» توقع باكر لمستقبل باهر جناه لاحقاً بالذكر الطيب والفعل القويم.
ملأ الأمير ممدوح ذاكرته وذهنه من ينابيع الدروس الدينية في قصر والده مقتبساً من خطابات الدولة «الوطنية الصادقة الحقة» والمسؤولية الأميرية» ومن خطب المعلمين الشرعيين روح الشريعة وطهر الحق. فتربى في إطارات من التربية الإيمانية أشبعها بحثاً وقراءه مستلهماً من دافعية رسخت في ذاكرته جمال الإسلام وجميل السلام.. وروعة النصيحة وإبداع المعنى..
التحق بالعمل التنموي وفق ثقة ملكية قضاها الأمير الراحل في وجهين من المسؤولية عندما تولى إمارة منطقة تبوك ثم رئيساً لمكتب الدراسات الإستراتيجية..
عاش الأمير ممدوح ملتزماً بمسؤولية وضعها كأمانة لا تتوقف من الآراء الحافلة بالقيم المحتفلة بالثبات والإثبات والموقرة بالاستناد الشرعي والاعتداد الديني في شخصية ترحب بالنقاش وتستعين بالنصوص الشرعية وترتكن للثوابت الإسلامية.
سار الأمير ممدوح في حياته بعيداً عن فلاشات التصوير مبتعداً عن إضاءات الإعلام ومسيرات المواكب وظل حاضراً طوال حياته بتواضع جمٍّ وشخصية زاهدة يشارك المكلومين في أتعابهم ويتشارك مع المحزونين في مصائبهم بمنهجية عادلة تعتمد على فعل الأحسان اعتياداً واعتياد الحسنى فعلاً حيث قطع «مفازات» المحاسن لينال سبق «الفوز» بالأجر وعبق «الظفر» بالثواب.
غرس الأمير ممدوح في أولاده حب الخير والتربية الإسلامية التي عكست فيهم صورته النبيلة وشخصيته الأصيلة واستمر في ملاحقة بعد نظر اعتمد على «الفضائل» وتعامد مع «المكارم».
لم يرتكن الأمير ممدوح إلى خطاب إعلامي صادر ولكنه أبحر في أطراف معادلات الحوار الموضوعي فأصدر آراءه استناداً إلى أركان العلم وأبعاد المعرفة ومستندات الجواز والواجب ليكون عموداً من أعمدة النقاش الثري بالدلائل المشبع بالبراهين.
هنالك شهود من الخلائق لم يسمع عنهم الأمير ولم يرَهم ولكنهم حاضرون في مشاهد العون وقصص الإغاثة وتفاصيل المساعدة حيث ظهرت شخصيته البالغة الأثر والبليغة التأثير رغماً عن الصدقات الخفية أو المساعدات السرية حيت تجلت الدعوات كسيدة للموقف والذكرى الطيبة كشاهدة للأفعال.
ظل مجلسه المفتوح عامراً بالنماء غامراً بالانتماء لكل طالب العون ومطالب بالغوث في إمضاءات الشفاعة وإضاءات الإعانة بعنوان عريض في قضاء الحاجات وتفاصيل خفية في فرج الكريات وسط عمل إنساني يعتمد على الأفعال التي تعكسها «دعوات خفية» و»ذكريات خالدة».
بشخصية وسطية واجه الأمير ممدوح العديد من الرؤى والاتجاهات والآراء بموضوعية دافعت عن ثوابت العقيدة ومنطلقات الوطنية وظل شاهداً على مرحلة تنوير وسطي واستنارة شرعية قويمة هزمت العديد من النداءات بلغة المنهج وبرهان الحق.
الأمير ممدوح عاشق للحوار الهادف لا يعترف بالآراء الأحادية باغض للتيارات والأحزاب وله في ذلك خطابات ونداءات شهيرة لإظهار الحجة البالغة وإسقاط الحزبية المقيتة.
في محفل الإنجاز الوطني ظل الأمير ممدوح مباركاً لإخوته وأبنائه الأمراء يستنيرون بكلماته مشاركاً بروحه الوقادة بالحب الوطني المتقدة بالرؤية المستقبلية المشبعة بالتوجيه المفعمة بالإرشاد.. وفي مجالس العزاء الأسري تسبقه دموعه الممتلئة بالوداع والاستيداع.
رجح الأمير ممدود كفة الزهد والانشغال بالعبادة حيث قضى معظم أوقاته معتكفاً في المسجد الحرام ومنشغلاً بالأعمال الخيرية وأوجه البر والإعانة وساهم بشكل كبير وفاعل في خدمة القرآن الكريم ودعم الحافظين والحافظات لكتاب الله وشغل منصب الرئيس الفخري لمعهد الدراسات القرآنية للفتيات بمكة المكرمة وله مشاركات متعددة ظلت في حيز «السر» وفق منهجيته المشبعة بالإيمان والإحسان.
انتقل الأمير ممدوح إلى رحمة الله يوم الخميس الماضي الموافق للسادس عشر من شهر جمادى الأولى الجاري والثلاثين من نوفمبر للعام 2023 وأعلن نبأ وفاته «الديوان الملكي» وامتلأت منصات الاعلام المرئي والورقي والمسموع والإليكتروني بخبر وفاته والذي اعتلت عناوينه نقل التعازي إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان والأسرة المالكة وتضمنت مضامينه سرد مآثر ومناقب الأمير الراحل الفاضل صاحب السيرة العطرة بالتقى والمسيرة العاطرة بالتقوى وصاحب الأيادي البيضاء والشخصية الزاهدة في الدنيا والماجدة في الخير .وقد صلى عليه في المسجد الحرام صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ضمن من صلى عليه وَوُوْرِيَ جثمانه في ثرى مكة المكرمة.
أحب الناس وعشق وطنه وارتبط بحب الخيرات ونشر البر وإشاعة التقوى فظلت ذكراه تسبقه والدعوات تخلفه أينما حل وحيثما ارتحل.. وحين يذكر الأمير ممدوح فلا يتراءى سوى صورته التقية النقية وقلبه الأبيض الذي يشبه بياض وجهه وصفاء سريرته ونقاء داخله وانعكاسات سيرته الخالدة الماجدة في خطاباته المعتدلة وتوجيهاته العادلة ونقاشه الأكمل ومنهجه المبارك الذي سار عليه باقتداء النهج القويم واحتذاء المنهج المستديم..
ممدوح بن عبد العزيز رحمه الله الأمير الزاهد والرجل التقي الذي خطا في حياته بخطوط متينة قوامها «الشرع» ومقامها «الورع» ورسم مطامح «الأثر» بخطوط خضراء حبرها «حب الوطن» ومدادها «محبة الناس» وسدادها «فعل الخير».