د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
أتت تصريحات رئيس وكالة الطاقة الدولية فاتح بيرول في وقت زادت فيه وكالة الطاقة وتيرة الحديث عن ضرورة تحول الطاقة بعيداً عن النفط وأن الطلب العالمي على الخام سيصل إلى ذروته بحلول عام 2030، ويشير إلى أن أوروبا تعلمت دروساً مؤلمة من اعتمادها على دولة واحدة في إشارة إلى روسيا للحصول على الغاز الطبيعي في الماضي، مبيناً أن تنويع الموارد مهم للغاية في جميع المجالات، لكن تختلف السعودية التي تقود أوبك بلس عن هذه التوقعات، وترى أنها دعوات مصحوبة لوقف الاستثمارات الجديدة في مجال النفط والغاز، الأمر الذي من شأنه أن يعرض أمن الطاقة للخطر، بل إلى حدوث صدمات، ما جعل أوبك بلس تقرر في 2022 التوقف عن استخدام بيانات وكالة الطاقة الدولية عند تقييم حالة سوق النفط.
بسبب أن وكالة الطاقة ترى أن الاستهلاك العالمي للنفط يجب أن ينخفض إلى 77 مليون برميل يومياً بحلول 2030 ثم إلى 28 مليون برميل يومياً 2050 انخفاضاً من 103 ملايين برميل يومياً في الوقت الحالي، هذا الهدف يراه معظم الخبراء منفصلاً عن الواقع لأنه حين توقف العالم عن الحركة تماماً خلال جائحة كورونا لم ينخفض الطلب بأكثر من 20 في المائة خلال سنوات قليلة، ما يدفع الخبراء إلى التساؤل عمَّا كانت سيناريوات وكالة الطاقة محكومة بالعلم والأرقام أم بالأجندات والأيديولوجيا المعادية للنفط.
فيما تتوقع أوبك أن يبلغ مجمل الطلب على النفط في 2030 نحو 130 مليون برميل يومياً وفي عام 2045 نحو 110 ملايين برميل يومياً خصوصاً مع زيادة سكان العالم نحو 1.6 مليار نسمة بين الآن وعام 2045 وأن العالم بحاجة إلى زيادة سنوية بنحو 2.7 مليون برميل يومياً وأن العالم بحاجة إلى مختلف أنواع الطاقة مستقبلاً الأحفورية والمستدامة.
لكن عملاق الطاقة البريطاني شركة بريتيش بتروليوم ترى أن حصة منظمة أوبك بالإنتاج العالمي ستزداد من 30 في المائة حالياً إلى 45 - 65 في المائة في 2050، وترى أنه من المرجح أن يستقر الطلب على النفط خلال السنوات العشر المقبلة ثم ينخفض إلى 70-80 مليون برميل يومياً بحلول عام 2050 ستصبح أوبك بقيادة السعودية أكثر هيمنة، لذلك ترى أن الاستثمار في الآبار الجديدة مطلوباً حتى عام 2050 لضمان مطابقة إمدادات الوقود الأحفوري مع الطلب، خصوصاً مع الانخفاض الطبيعي في مصادر الإنتاج الحالية يعني أن هناك حاجة إلى استمرار الاستثمار في النفط والغاز الطبيعي خلال الثلاثين عاماً القادمة.
من المرجح أن يثير هذا التقرير رد فعل عنيفاً من مجموعات المناخ والناشطين الذين يجادلون بضرورة وقف الاستثمار على الفور من أجل تحقيق صافي الأهداف الصفرية، يذكرهم عملاق الطاقة البريطاني أن استمرار الإمداد بالنفط والغاز ضروري لمنع تكرار ذلك النوع من الاضطراب الذي شهدته أوروبا عندما انقطعت الإمدادات الروسية نتيجة الحرب في أوكرانيا بداية 2022، وترى أن الوقود الأحفوري يمثّل الوقود الأحفوري 55 في المائة من مزيج الطاقة عام 2050 مقارنة بحوالي 80 في المائة عام 2019 .
ووفقاً لتقرير صادر عن بلومبرغ ترى أن نمو مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2050 سيجعلهما يشكلان ما نسبته 56 في المائة من مجموع مصادر الكهرباء العالمية، ووفقاً لهذه البيانات فإن درجة الحرارة سترتفع بمقدار 3.3 درجة مئوية بحلول 2100 بينما بقية القطاعات النقل وبقية القطاعات الأخرى ستكون فيها النسبة أقل من ذلك بكثير خصوصاً مع وفرة الغاز والنفط رخيص الثمن إلى تأخير تحول الطاقة.
ما جعل الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي يشدد على التزام السعودية بأمن الطاقة، مشيراً إلى أن مكافحة التغير المناخي يجب النظر إليها بصدق على أنها هدف حقيقي وليست وسيلة تستخدم لتحقيق غايات أخرى، وهو ما تؤكد عليه السعودية من خلال التزامها باتفاقية باريس المناخية لدعم التحول إلى الطاقة النظيفة في العالم.
هناك هجمة غير مسبوقة تشنها الدوائر الغربية على نسخة كوب 28 الذي يعقد في الإمارات 1 ديسمبر 2023 بسبب انعقاد النسخة في دولة نفطية وبسبب يرأس النسخة رئيس شركة نفطية للمؤتمر، الجدل الذي صاحب انعقاد هذه النسخة من المؤتمر كان سبب جزء مهم منه أنه يعقد في دولة نفطية الذي يتسم بدرجة كبيرة من الإيهام من قبل المهتمين بالبيئة ينحصر في المستهدفات للإبقاء على ظاهرة الاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية يتطلب خفض الانبعاثات بنسبة 45 في المائة مرحلياً بحلول 2030 وصولاً إلى الحياد الصفري بحلول 2050، دون الاكتراث بأن 60 في المائة من الانبعاثات الكربونية تأتي من الدول الصناعية الكبرى بجانب الصين والهند فنجاح أو فشل يبقى رهن التزام هذه الدول بخفض الانبعاثات الناتجة عن أنشطة هذه الدول، لكن نجد انحرف الحديث ليرتكز على تحميل المسؤولية للدول المنتجة للوقود الأحفوري وهو تملص من المسؤولية، معتبرين أن النفط والغاز هما الملوثان ولا بد من التخلص منهما، دون تقديم خيار مجد ليحل محلهما، ودون اتباع خريطة طريق قابلة للتنفيذ.
ما جعل أوبك على لسان أمينها الغيص يتهم وكالة الطاقة الدولية بالتشهير بصناعة الوقود الأحفوري في أحداث خلاف بين المجموعتين بشأن سياسة المناخ، واعتبر أن هذا التحدي يمثّل إطاراً ضيقاً لأنه يقلل من قضايا مثل أمن الطاقة والحصول عليها والقدرة على تحمل تكاليفها، ومن المؤسف أن تعتبر وكالة الطاقة الدولية تقنيات مثل احتجاز الكربون وتخزينه بأنها وهم رغم أن السعودية قدمت هذه التجربة أثناء قيادتها لمجموعة العشرين الافتراضية زمن الجائحة في 2020، بينما اعتبرتها تقارير اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة جزءاً من الحل.