خالد بن حمد المالك
بين الإعلام العربي والإعلام الأجنبي فوارق كثيرة في المهنية، غابت القواعد الإعلامية لديهم وحضرت لدينا، وتخلوا عن الثوابت في الممارسة الإعلامية، بينما لم تتخل لدينا، ومن يتابع وسائل الإعلام سوف يكتشف حقيقة هذا الاستنتاج، وتتضح له هذه الصورة، ويعرف أن إعلامهم مسيس، ولا ينقل الحقائق، ولا يتحدث عن الواقع، إلا بقدر ما يلبي أهدافه.
* *
القنوات العربية -وهذا على سبيل المثال- تنقل نقلاً مباشراً، وبتغطيات موسعة، كل ما يتحدث به الإسرائيليون، حتى ولو كانت روايات كاذبة، وأخباراً غير صحيحة كما هي، ويتوازن هذا مع ما تنقله عن المصادر الفلسطينية، وغالباً فإن كمية ما يتيحه المصدر الإسرائيلي أكثر بكثير مما يتيحه المصدر الفلسطيني وحتى العربي, بينما يقوم إعلام الغرب وبتحيّز واضح بإخفاء المعلومات التي يكون الفلسطينيون مصدرها، ويضخمون ويكررون عرض أي معلومات تأتي من إسرائيل.
* *
لكن هذا الموقف غير المهني لم يغير من تنامي الاعتراض على الحرب، وعلى إمعان الجيش الإسرائيلي في قتل الأبرياء من الفلسطينيين، بل إنه زاد من غليان الشارع في كثير من الدول، مستنكرين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم، مطالبين حكوماتهم بإدانة إسرائيل، وبالمطالبة بحقوق الفلسطينيين، وتحديداً بتمكينهم من إقامة دولتهم على أراضيهم المحتلة.
* *
صحافة الغرب تدعي أنها تتمتع بالحرية، وأنها تملك هامشاً مفتوحاً في ممارسة حرية الرأي، وهي تمتلك هذا، ولكنها لا تخرج عن سياسة دولها، ولا تخالف مواقفها، وتدين كل ما يكون مصدر إدانة تعلن عنها حكوماتهم، والشاهد على ذلك موقفها من الحرب الإسرائيلية في غزة، فموقف هذا الإعلام يتماثل مع سياسة أمريكا ودول أوروبا من حيث الانحياز لصالح إسرائيل، وتغييب ما يتعرض له الفلسطينيون من قتل وممارسات لا إنسانية.
* *
أريد أن أصدق أن هناك محطة تلفاز أجنبية، أو صحيفة تصدر في أمريكا والغرب، تمارس حريتها بخلاف سياسات دولها، أو أنها تخرج بموقف مناهض لما يكون معلناً عن سياسات هذه الدول، فلا أجد من حضور لحرية الرأي إلا إذا كان يسيء إلى الإسلام والعرب، وأنبيائهم ورسلهم وقرآنهم، وما عدا ذلك فإن هذا الإعلام مسخّر لخدمة إسرائيل في احتلالها لفلسطين، ومشروعها للتوسع والتمدد على أراضي الدول المجاورة.
* *
هذا يقودنا إلى التساؤل، متى يكون لدى العرب إعلامهم المقنع في محتواه ومهنيته وقدرته على التأثير، ومتى يكون لدينا الإعلام القوي الموازي لإعلامهم، بدلاً من أن يكون إعلامنا ناقلاً لما يصدره إعلامهم من أخبار وتغطيات وآراء مدسوسة ومغلفة بما يلحق بنا الضرر، وبما يسيء إلينا، بينما لدينا القدرة المالية والبشرية والخبرة الطويلة لنجعل من الإعلام العربي قوة ناعمة بالفعل والعمل والتخطيط السليم.
* *
لعل طوفان الأقصى يفتح أذهاننا وعقولنا للتحرك الفاعل لإنشاء إعلام منافس ومؤثر وصُنّاع قرار، وذلك باستثمار ما نملكه من إمكانات وقدرات لحسم هذا العجز الإعلامي الذي نعاني منه، طالما أن الإعلام يوازي آلة الحرب إذا أحسنا إدارته، ورفع كفاءته ومنحه مساحة الحرية التي تساعده على التفوق والنجاح.