محمد بن عيسى الكنعان
لمن لا يعرف معرض (إكسبو) EXPO، هو معرض عالمي عريق، يُقام كل خمس سنوات، ويستمر لمدة ستة أشهر باستضافةٍ من إحدى الدول الأعضاء في المكتب الدولي للمعارض، ومقره في باريس بفرنسا، والمكتب هو الهيئة أو الجهة التي تُشرف على المعارض الدولية، وهي منظمة حكومية أنشئت عام 1928م بعد قيام الدول الأعضاء في المكتب بتوقيع اتفاقية باريس، التي بدأ تفعيلها عام 1931م، وبذلك أصبح المكتب هو المعني بعملية تحديد استضافة إكسبو للدول المتنافسة وفق التصويت السري للدول الأعضاء (عددها حاليًا 170 عضوًا). ويُعد إكسبو المعرض الأكبر والحدث الأضخم على مستوى العالم، ويُشكل منصة استثنائية، ومظلة كبرى يتم فيها استعراض أهم الابتكارات، والتصاميم، والتقنيات، والمنتجات، التي تُشارك بها الدول عبر أجنحتها، وأسهمت على مدار عقود في تشكيل واقع عالمنا وتفاصيل حياتنا اليوم.
هنا تكمن أهمية هذا المعرض العالمي ما جعل كل الدول تتسابق للفوز باستضافته منذ انطلاقه عام 1851م بأول معرض أقيم في لندن بالمملكة المتحدة (تقريبًا منذ 172 عامًا). فالاستضافة تعني أنك تستقبل العالم وتفتح لهم بلدك على مدار ستة أشهر؛ حيث تكون الدولة المستضيفة قبلة الشعوب، ووجهة العالم للاطلاع على أحدث ما انتجته العبقرية البشرية، والأداء الاستثنائي من ابتكارات وتقنيات وتصاميم تعكس - في واقع الحال - مستويات إسهام الدول في التنمية البشرية، والحضارة الإنسانية، والصناعة المتقدمة، والثقافة المتميزة، وبذلك تتحقق لك الفرصة الأكبر - كدولة مُستضيفة - بأن تُبرز ما لديك من إنجازات، وإمكانات، وقدرات، ومقومات بمختلف المجالات، فضلًا عن تنظيم هذا الحدث العالمي بكل تفاصيله ومتطلباته، وهذا ما كشفت عنه المملكة في عرضها المذهل الذي قدّمته خلال المنافسة مع كوريا الجنوبية وإيطاليا للفوز باستضافة إكسبو 2030، مساء يوم الثلاثاء 28 نوفمبر 2023م في العاصمة الفرنسية. بعد كل ذلك لك أن تتخيل أنه من هذا اليوم - الذي أعلن فيه الفوز السعودي - وحتى عام 2030م ستكون المملكة محط أنظار العالم بكل جهاته، التي اتحدت باتجاه واحد نحو الرياض عاصمة المجد ودرة الصحراء، نعم على مدى سبع سنوات سيتطلع العالم إلى المملكة بشغف، يرقب الوقت ليأتي إليها، ويتعرف عليها عن قرب، ويكتشف بكل حواسه ما لديها من مزايا خاصة، يُريد أن يعرف ما غاب عنه أو جهله في هذه الدولة العظيمة، صاحبة الأرض الطيبة، والتاريخ العريق، والتراث الضخم، والتميز الفريد، والقيادة الحكيمة، والشعب النبيل. وهذه أول المكاسب التي ستحققها المملكة من هذا الحدث الضخم، بتعزيز سمعتها الإيجابية عالميًا، خاصةً أنها قلب العالم الإسلامي، ومحور الوطن العربي، والعمق الاستراتيجي للخليج، وعضو مجموعة العشرين، وأبرز دول أوبك، واللاعب الرئيس في سوق النفط العالمية، ناهيك عن رفع فاعلية النشاط الاقتصادي، والبيئة الاستثمارية الجاذبة، والإنتاج الثقافي، والعطاء السياحي، والحراك الاجتماعي بما يخدم مصالح المملكة والعالم. إن قيمة حدث إكسبو لن تنتهِ بانعقاده بعد سبع سنوات 2030م، بل تستمر بتأثيرات أخرى وتداعيات إيجابية من ذلك التاريخ، خاصةً أن سيُقام - بمشيئة الله - في أجواء استثنائية؛ حيث عام تحقيق مستهدفات رؤيتنا الطموحة 2030 بإذن الله.
أما دلالة فوز المملكة باستضافة إكسبو 2030 فلها أكثر من بُعد، فعلى البُعد الاستراتيجي كما قال صاحب السمو الملكي ولي العهد - حفظه الله - «فوز المملكة ترسيخ لدورها الريادي والمحوري والثقة الدولية، التي تحظى بها، ما جعل منها وجهة مثالية لاستضافة أبرز المحافل العالمية»، وعلى البُعد السياسي يعكس هذا الفوز المكانة العالمية المرموقة التي بلغتها المملكة، وعلى البُعد الدبلوماسي يؤكد مستوى العلاقات الرفيعة التي تتمتع بها المملكة مع دول العالم، وعلى البُعد الاقتصادي يبرهن امتلاك المملكة مقومات وقدرات استثنائية تستطيع من خلالها تنظيم أكبر المحافل والأحداث العالمية، وعلى البُعد الاجتماعي يؤكد الفوز أن شعوب العالم تثق بالشعب السعودي كشعب ودود ومضياف ومنفتح على الآخر، وعلى البُعد السياحي يشهد الفوز بأن المملكة تزخر بالكنوز والمواقع الأثرية والسياحية ما يعزز رغبة العالم في اكتشاف السعودية، أما على البُعد الثقافي ففوز المملكة باستضافة إكسبو يؤكد حقيقة تنوع مخزونها الثقافي الهائل على مستوى الإنسان والأرض.
بقي أن أتقدم بخالص التهنئة وصادق التبريكات على فوز الرياض باستضافة معرض إكسبو 2030 لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود قائد مسيرة حضارتنا، ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء عراب الرؤية وصاحب الإنجاز - حفظهما الله - ولكل مواطن سعودي يُحب بلده ويفخر بإنجازها، ولكل مقيم يسكن أرضنا ويسعده ما تحققه بلادنا.