عبدالرحمن الرويحلي
أحد أكثر الأسئلة الشائكة والتي لا ينفك الأفراد عن طرحها والنقاش حولها هو السؤال الآتي: تشكلت أحداث سوداء ولا أريدها أن تكون في خط حياتي/واقعي فكيف أتصرف والحالة كذلك؟ وبالتأكيد أن مدارس كثيرة قدمت أجوبتها حول ذلك ومع ذلك ما زلت أسمع هذا السؤال يتكرر كثيراً فإليكم الجواب:
من المسلمات المتفق عليها أننا لا نملك السيطرة التامة على كل شيء في خط حياتنا سواء كانت أحداثاً أم أشخاصاً وحيث إن الأمر كذلك فإن أولى خطوات التصرف حيال ما لا نريده -الغيوم السوداء- هو تفعيل الانتباه أي الاعتراف بوجود ما لا أريده وفي نفس الوقت أراقبه... قائلاً: اووه؛ نعم صحيح هناك غيوم سوداء تلوح في أفق خط حياتي!... نعم ها أنا ذا أنظر إليها فوق رأسي! وهنا المهارة الجديدة التي أريد من القارئ الكريم اكتسابها وهي النظر لها من بعيد واعتراف بوجودها وفي نفس الوقت ألا يتفاعل معها مستغرقاً في تدوير أفكار ومشاعر متسلسلة ودرامية بشكل غير محتمل وهو ما نعبر عنه بانغماس الانتباه- وهذا يضمن لك البقاء في مربع الفعل وابتعادك عن مربع ردود الفعل وفي هذا السياق قال الأول:
لا تعجلنَّ لأمر أنت طالبُهُ
فقلما يدرك المطلوب ذو العجلِ
فذو التأني مصيبٌ في مقاصده
وذو التعجل لا يخلو من الزللِ
هذا التمهل والتأني في تصوري هو اختيار تفعيل الانتباه والمراقبة وقيادتها لي في وقت تلك هطول الغيوم السوداء إنه اختيار البقاء في مربع الفعل دون الانجرار لمربع ردود الفعل وما يستصحبه من ندم وزلل وألم وغضب وحزن وهناك معنى آخر وهو تخفيض الأهمية وسنتحدث عنه مستقبلاً - بإذن الله.
وحيث إننا نؤدي أداءً مسرحياً في تفاعلاتنا اليومية على زعم النظرية التفاعلية الرمزية فكم هو جميل أن يكون ذلك الأداء في واقعك متوازناً وحتى يكون كذلك فإنه ينبغي أن يكون قائماً على الانتباه وتفعيل المراقبة ذلك أن هذا الاختيار العقلاني لفعل (الانتباه) هو الضامن لعدم انغماس انتباهك طويلاً فيما لا تريده. صحيح أنه حدثٌ أنت لا تريده ولكن تذكر بأن لك الخيار بأن تُبقي انتباهك منحبساً فيه ولك الخيار أيضاً أن تجعل انتباهك يراه ويعترف به دون أن ينغمس وينحبس فيه. وحتى أكون عملياً في الطرح فإليكم هذه السباعية للتعامل مع تلك الغيوم السوداء:
1 - القوة التي ستساعدك على تجاوز غيومك السوداء هي قوة انتباهك.
2 - من أخطر ما في واقعنا الذي نعيشه انغماس انتباهنا طويلاً في الشاشات الداخلية -الدراما والحديث الداخلي بينك وبين نفسك وبناء التوقعات- أو الخارجية -تصرفات الأشخاص المحيطين.
3 - المعالج أو الأخصائي الاجتماعي والنفسي الحقيقي -أؤكد الحقيقي- بعد قوة انتباهك سيكون خير داعم لك فكن حقيقياً لتجد معالجك الحقيقي.
4 - استمداد الفائدة قضية محورية لا مناص عنها وذلك يعني: إن حصل ما أريده كما أريده فهو خير وإن لم يحصل ما أريده كما أريده فهو أيضاً خير.
5 - توجه بقلبك إلى الله، إذ هناك فراغ لا يملؤه مطلقاً إلا الحديث مع الله؛ صلاة ودعاء والتزم بقلبك أن تردد لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها كنز من كنوز الجنة وقد روي أن حملة عرش الرحمن إنما أطاقوا حملَ العرش بقولهم: لا حول ولا قوة إلا بالله.
6 - لا يوجد شيء اسمه (شبيك لبيك... انقشعي أيتها الغيوم السوداء المزعجة)، فهناك دورة وتوقيت لكل حدث والذي عليك هو التدرج في السير إلى الأمام وعدم الالتصاق بتلك الغيوم السوداء بلا وعي منك وهنا تذكروا نصيحة الساحرة الطيبة للبطل المقدام عندما قالت له: «سر إلى الأمام؛ وإلى الأمام فقط وإن التفت إلى الوراء فإنك ستتحول إلى حجر».
7 - شريط حياتك لا ينحصر بتلك اللقطة من تلك الغيوم السوداء وإنما هو شريط أكبر من ذلك فلا تختصر شريطك بذلك واسمح لنفسك أن تعيش غيره من اللقطات.
** **
- أخصائي اجتماعي