ناهد الأغا
لا أحب الفراق، وأتهرّب كثيراً من لحظات الوداع لصعوبتها وألمها في نفسي، وأتمنى أنها لا تكون، رغم حقيقتها وتحققها مبقية في النفس المساحة والمسافة لمن اختار البُعد والفراق مشرعة أبوابها، لأن الافتراق لم يكن بيدي أو بمبادرة مني، فمن اختار أن يفارق لن يعجزه قول أو رأي وحجة لما قام به، فلم يعد يبقى في داخله خيط رقيق من ود ومحبة
من بغى الفرقا لقى له عذر وأسباب ودليل
خل عنك العذر والأسباب دام الحب ضاع
كان ودك بالفراق أبشر عسى عمرك طويل
لا تردد وأنت لك كلمه ولك أمر مطاع
وصف وبيان حال من الشاعر السعودي فهد المساعد لما يجول في الخاطر، ويسرح بالمهجة بعيداً وبعيداً، ولعلك في هذه القصيدة تُجيب عن أسئلة عديدة تعصف بالتفكير، عمَّا حدث وأسبابه حين يختار من هو مقابلك بالابتعاد، وما أقسى الأمرحين لا يخبرك ما هو سبب بعده وجفائه، ولو عاتب لكان لدينا ألف إجابة وإجابة عمَّا ثار في تفكيره واعتقاده، حتى إن هنالك كلام حاسدين ووشاة، ومن مشى بنميمة قصد من ورائها الإساءة، ونعم إنها لقاسية أن باح العزيز برغبته بالفراق والبعد، لكنها تبقى أخف ألماً من جهل لما يختفي من أسباب مبهمة وغامضة، ويكون السؤال حاضراً: هل يمتلك المبتعد الجرأة في قول ذلك؟ وكم أتمنى ألا تفهمني وتؤول مطلبي ومقصدي كما تشاء، في الوقت الذي يُمكن للمقابل من السؤال والتقصي والاستفسار، وإغلاق الباب أمام الظنون والشكوك والتأويلات.
ولك عليّ إني لأوّقف وقفة الرجل الشجاع
لاتجاملني مخافة قال مدري خوف قيل
عُمر (هرج الناس) ما يسمن ولا يغني جياع
كان قصدك سر حبك أوعدك لأصبح بخيل
وأحمل أسرارك معي للموت قدر المستطاع
بس قلها قل ما أحبك وأبشر بصبر جميل
وليس من طبعي الفجور ونسيان جميل العشرة والمعروف، والأيام والذكريات الجميلة، فمثلي لا تعرف النفاق وكفر العشرة ولست بمن إذا خاصم فجر، بل يجُمع ويؤكد كل من عرفني وبادلني المواقف والتفاصيل جلها ودقيقها من هو المتحدث ومالك الموقف، الوفي لوعده وأخوته وصداقته ومحبته، وجمال خُلقه، وعدم الغدر مهما أبدى المقابل تغييراً وتبديلاً في الشعور، فمن تعلم الوفاء والصدق يستحيل عليه ويصعب لدرجة كبرى أن يظهر بغير مما اعتاد عليه ومضيت في مسلكي.
ثابت ٍ لو هي تميل الارض حدره... ما يميل
يدري ان الفقر ماهو عيب والدنيا متاع
ماعشق لذّة حياته كثر عشق المستحيل
ولا كره حتى مماته كثر كره الأنصياع
كم تعلّم من شديد البدو وش معنى الرحيل
وكم تعلّم من غروب الشمس وش معنى الوداع
وكم تعلّم من سحاب الصيف وش معنى الحصيل
وكم تعلّم من ليال البرد وش معنى الضياع
يكفي اني لا انذكرت في سالفة عشّاق.. قيل:
عاشر أحبابه شجاع.. وفارق أحبابه شجاع