د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
عندما انشق نور الثقافة في بلادنا من خلال بوابتها الأم (وزارة الثقافة) عند ذاك تنامى الشغف بأن هناك حصاداً نضراً وحِراكاً سعيداً نحو العقول السعودية، وتأسيساً على أن المكيال الأول الذي يحمل المعرفة الثقافية هو الكتاب، وتحقيقاً للاندماج الثقافي المجتمعي مع الكتاب، وتفعيلاً لصلات الكتاب السعودي محلياً وعالمياً لابدَّ من تعبئة طاقات المثقفين، وأن تتبنى هيئة المكتبات في وزارة الثقافة فكراً إستراتيجياً ثقافياً شاملاً يستفيد من غزير الفكر الوطني؛ ومما بين دفتي الكتب المستحصلة من تراكم الحراك الثقافي في عمومه منذ عهود، ومما يسهم به أعلام بلادنا ورجالات الفكر الثقافي الشامل من حصادهم الزاخر تأليفاً واقتناءً في مكتباتهم الخاصة سواء التي أهدوها للمكتبات الرسمية في بلادنا في حياة أولئك الأعلام في بداياتها وحواشي نهضتها الحديثة أو من الأوقاف بعد رحيلهم -رحمهم الله- أو مما تحتضنه أروقة منازلهم من نفائس الراحلين، وتستضيفها المكتبات الوطنية تحت وسم (المجموعات الخاصة)، وتندمج تلك المكتبات في رواق المكان يحيطها وقار الثقافة والمثقفين ونبض الأوعية القرائية، وهي تضربُ في جذور الماضي لتحملنا إلى الوعي الذي عُدّته وقوامه الثقافة التي تتربع المكتبات على سدة مصادرها!
ومن التجليات الجديدة للعناية بالكتاب والمكتبات تأسيس [جمعية العناية بالمكتبات الخاصة] التي اتخذتْ الصفة الرسمية منذ العشرين من شهر نوفمبر الماضي في هذا العام 2023م وظهرتْ الجمعية بمستهدفات كبرى أبرزها إيجاد آلية للشراكة مع هيئة المكتبات في وزارة الثقافة والتواصل مع المكتبات الرسمية التي ترعاها الدولة والتعاون مع المؤسسات الثقافية الراعية للكتاب وإيجاد جمعية ورابطة لأصحاب وملاك المكتبات الخاصة من العلماء والأدباء والمثقفين وإيجاد منصة رقمية معرفية موحدة لأصحاب وذوي المكتبات يتم من خلالها التواصل والاستفادة!
والمكتبات الخاصة كثيرة وفيرة يُفخَرُ بها ودائماً ما ترافق تلك المكتبات رغبات من أصحابها أو ذويهم بعد مماتهم لتكون من الأنساق الثقافية الوطنية ذات الحضور الثقافي في بلادنا، كما يتمنى المثقفون المبدعون الاستمتاع بالقراءة بتعدديتها التي أصبحت ظلاً مرادفاً للحياة الممتدة الجميلة في بيئاتنا الثقافية الندية!
ولقد خطفتْ كثيرٌ من المكتبات الخاصة حزماً من الأضواء حين كانت في أحضان أصحابها من «الأعلام النبلاء» لارتفاع مستوى التفعيل الثقافي والتبادلية بجهود فردية آنذاك؛ وبعد رحيلهم رحمهم الله غابت كثير من تفاصيل المشهد الثقافي المرتبط بها، فأصبح الواردون ينهلون الماء من السواقي وليس المنابع، وأصبحت المكتبات في المجموعات الخاصة وسماً فارغاً دون أنيس إلا من باحث ملحاح، وكنا نرقبُ أن تكون تلك المكتبات كيانات ثقافية تقدم الفكر المتعدد التكوين المتصل بمرجعياته في المجالات الأدبية والعلمية والاجتماعية!
وأمام هذا الركاز الوفير من المكتبات الخاصة التي ما زالت تتوالى في كثير من البيوت التي انطفأت حياة مكتباتها لأفول القائم عليها انبثق النور وتراصتْ الحلول وتأسستْ جمعية العناية بالمكتبات الخاصة حيث كانت تلك الأعداد الضخمة تبحث عددا وعدّة عن احتضان ثقافي مجزٍ لاستظهار كنوزها والاحتفاء بمحتوياتها، من خلال جمعية العناية بالمكتبات الخاصة التي هي فكرة إستراتيجية من حيث الإسهام في الحفاظ على الكتاب السعودي؛ فنأمل أن تتلاقح على أرض الجمعية بدائع المثقفين، وأن تشهد امتناح الواردين، وإبداعات الأولين والآخرين، وتتقارب الأرواح والعقول، ومما نراه جديراً بإستراتيجية الاستثمار الثقافي في المكتبات الخاصة الواردة للجمعية أن تكون قاعدة لمكتبات تخصصية في العلوم العامة بتعدديتها والآداب بتصنيفاتها والثقافات بمختلف مصادرها تُستحصل من فرز وتصنيف محتويات المكتبات الواردة للجمعية؛ وأن تكون انطلاقا لمراكز ثقافية تتسمى برواد الثقافة في بلادنا ممن كونوا تلك المكتبات ودفعوا بها للجمعية وفق الثراء والأولوية؛ وأن تخصص لها مواقع دائمة في بيئات الرواد وفي منائر السياحة والواحات العلمية والمواقع التراثية التي تنامت في بلادنا مع النهوض السياحي المذهل الذي صار وسماً في كل بقعة من بلادنا الجميلة، وكم هي أمنية فاخرة أن تحتضن الشوارع المشهورة في بلادنا التي تسمت بشاعر أو أديب ممن شهد له مثل شارع المتنبي الشهير في الملز في مدينة الرياض، نتاج المكتبات الخاصة الواردة للجمعية ولعل حصاد جمعية العناية بالمكتبات الخاصة يحظى من خلال التنسيق مع الجمعية بنظرة من الهيئات الملكية لتطوير المدن والمناطق وأن تتضمن إستراتيجياتها حظاً للمكتبات الخاصة في الدعم والمواقع وأن يعلو التنسيق من جمعية العناية بالمكتبات الخاصة للاستثمار في مباني المكتبات العامة المغلقة حتى تكون مسترادا للمثقفين والباحثين عن المعلومة المتخصصة، ومن ثمَّ تتشكل لها فرق لإدارة الأنشطة الثقافية في تلك المراكز، وأن يتم احتفاء سنوي لإطلاق مركز ثقافي جديد فينتظم العقد الثقافي السعودي على مدى سنوات، وأن تؤطر جمعية العناية بالمكتبات الخاصة للتطوع الثقافي وتنظم آلياته للاستفادة منه في تنظيم الحصاد مما يرد للجمعية من المكتبات الخاصة نشرا للمنتج الثقافي الوطني ومنه المكتبات الخاصة، وجميل أن نشهد ثراء تلك المكتبات في المواسم والمناسبات الوطنية.
وعندما تنبت الثقافة من ذات الحقل وإليه، ويرويها نمير عقول أبنائها وتعود المكتبات من خلال تدوير المحتويات القرائية وتخصيصها وسوف تحظى جمعية العناية بالمكتبات الخاصة بسقف عالٍ من الترحيب المجتمعي الثقافي وسيكون حصادها نضرا وحتما هناك في سلة الحصاد نفائس من المخطوطات ونوادرا من المتون الفاخرة!