د. فهد بن أحمد النغيمش
من المسلّم به علمياً ومنطقياً وما أفرزته نتائج الدراسات العلمية الحديثة والقديمة أن البحث العلمي ما هو إلا محاولة دقيقة منظمة وناقدة وحل للكثير من المشكلات الحياتية والمجتمعية على كافة الأصعدة والمستويات، ولذا كان البحث العلمي إحدى الوظائف الأساسية الثلاث للجامعات، ويعتبر التغير الكبير الذي قد يلاحظه الطالب الجامعي حال انتقاله من المرحلة الثانوية وبدئه في مرحلة التعليم الجامعي كتابة البحوث العلمية حول مشكلة ما أو موضوع قد يقترحه عليه أستاذ المقرر ولا غرابة في ذلك إذا سلَّمنا بأن البحث العلمي هو في الحقيقة إحدى أهم المحطات في رحلة التكوين المعرفي والعلمي للطالب الجامعي، فهو ينمي ملكات الطالب التحليلية ويقدم له إضافات معرفية، ويكسبه فن التعامل مع مختلف الوقائع، كما يجعله في متابعة دائمة لحقيقة الظواهر وطبيعة المشكلات المجتمعية التي يعيش تفاصيلها يومياً، إلا أن الملاحظ دوماً على طلاب الجامعة خاصة في مرحلة البكالوريوس عدم اكتراث البعض بجدوى البحوث العلمية وعدم وجود الوعي الكافي بجدوى وقيمة لبحث العلمي، إذ أصبح البحث العلمي يمثِّل للطالب عبئاً يسعى للتخلص منه في أقرب وقت. إضافة إلى أن السواد الأعظم من الطلبة لا يجدون متعة حقيقية في خوض غمار البحث. فهناك علاقة شبه انفصامية بين الطالب الجامعي والبحث العلمي، علاقة يشوبها الغموض وعدم وضوح الرؤية.. فانتشرت بين مجتمع الطلاب ظاهرة سلبية متمثلة في استكتابهم للبحوث المطلوبة منهم، وانتحالها، ويشعر بانتشار هذه الظاهرة كل من يشرف على البحوث من الزملاء أعضاء هيئة التدريس في الجامعات فلماذا أصبحنا نواجه مشكلة ضعف القدرة الكتابية في البحث العلمي لدى طلاب الجامعات بمستوياته الثلاثة (بكالوريوس - ماجستير - دكتوراه) وأصبحنا نواجه طلبة غير مؤهلين لأبجديات الكتابة البحثية أو امتلاك أساسيات كتابة البحث العلمي وأصبحت القضية تأدية واجب معتمدة على القص واللزق على الرغم من أن أغلب الجامعات تلزم طلبتها بدراسة مقررات في مناهج البحث العلمي تختلف مسمياتها باختلاف الكليات والتخصصات العلمية.
بعض الطلاب يشعرون أن ما يطلب منهم هو فوق طاقتهم، وفوق إمكانياتهم، فهم لم يتقنوا بعد، الأساسيات أو أدبيات الكتابة البحثية والحقيقة أنه من الظلم أن نحمل الطالب تبعات ضعف قدراته البحثية، إذ إن السبب مجموعة من الأسباب التراكمية فقد درسوا في إطار نظام تعليمي لا يمنح للبحث القدر الكافي من الاهتمام، والنظام التعليمي نفسه يعمل في إطار نظام كلي يعاني من تقهقر مخيف للبحث ليس في المملكة فحسب وإنما على مستوى العالم العربي ثم تطور عدم الاهتمام بذلك إلى مقاعد الجامعة لمرحلة البكالوريوس، حيث أصبح الكثير من أستاذة المقررات لا يعطي أهمية لكيفية كتابة البحوث وكأن كتابة البحوث حصرت فقط في مرحلة الماجستير والدكتوراه ككتابة رسالة علمية أو مشروع تخرج وإن كانت بعض التخصصات قد أدرجت ساعات بمسمى مشروع تخرج لطلاب مرحلة البكالوريوس ولكنه في حقيقته لا يرتقي إلى الأسلوب العلمي في كتابة البحوث العلمية، لذا من الواجب حقيقة أن تنمى أولاً فكرة البحوث العلمية لدى الطلاب وأن يحظى باهتمامهم ويشغل حيز تفكيرهم. فإيمان الطالب بجدوى البحث العلمي الخطوة الأهم لتأسيس علاقة حميمية بين البحث والطالب الجامعي. ثم تنتقل المسؤولية إلى الجامعة ككيان يشجع ويحث ويضع الحوافز لكتابة البحوث العلمية الرصينة وسط تشجيع كبير من أعضاء هيئة التدريس والحرص على تكليفهم ببحوث علمية يكون فيها شرح مبسط لأدوات كتابة البحث العلمي والطريقة العلمية في ذلك والتدقيق والتصويب لتلكم البحوث وبيان أبجديات أدوات الكتابة وبيان كيفية التوثيق وأجزاء البحث الأساسية مع بيان أهمية الأمانة العلمية في ذلك وعدم اللجوء إلى السرقات العلمية أو اللجوء إلى الاستكتاب وكأن التكليف الذي تم إسناده للطالب هو حمل ثقيل يتم تسليمه في الوقت المحدد دون أدنى مسؤولية متناسياً أن الهدف الأساس لكتابة البحوث العلمية هي اكتساب المهارات والأدوات الخاصة بالبحث إضافة إلى الفائدة العلمية المرجوة من كتابة البحث بشكل عام.