د. عبدالحق عزوزي
شاركت منذ أيام في أعمال المنتدى الدولي: «الإعلام ودوره في تأجيج الكراهية والعنف» في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، وذلك بالشراكة بين الأمانة المساعدة للاتصال المؤسسي برابطة العالم الإسلامي واتحاد وكالات أنباء دول منظمة التعاون الإسلامي (يونا)، وعقدت أعمال المنتدى بمشاركة كبرى وكالات الأنباء الإسلامية والدولية، وأبرز القيادات الدينية والفكرية والقانونية والحقوقية، وقادة المنظمات الدولية. عهد إلي بالحديث عن موضوع ذي أهمية كبيرة تتعلق «بالتحالفات الدينية والإعلامية الدولية لمواجهة الكراهية والعنف» وقلت إن الموضوع دقيق وعليه مستقبل البشرية خاصة وأن طبيعة العلاقات الدولية قد تغيرت بالكامل، والخاسر في البيئة الدولية المعقدة هو الذي يكتفي بقراءة الخرائط التقليدية للجيوبوليتيك، ويظن أن ما يجري يدخل في إطار الصراعات الكلاسيكية للإقرار بأنها حبيسة المنطق الترابي أو السياسي أو الإستراتيجي؛ في حين أن ما يجري هنا وهناك يجعل العالم متحركا، وقواعده متخطية لحدود الدولة - السيادة وفي تنظيم مستمر يؤطره فاعلون متعددون ومؤسسات كثيرة على رأسها وسائل الإعلام، هاته السلطة الرابعة التي تصنع الرأي، وتنقل الخبر وتحلل الوقائع وتؤثر على العقول وتوجه الأفراد، بل والدول، وتكون المدارس وتدافع عن إيديولوجيات وتحطم أخرى، وتغذي توجهات فكرية أو تفندها، وتنمي حب الآخر أو تساهم في نفيه من المجتمع كما يقع لفئات من المهاجرين في المجتمعات الغربية، وأعني بذلك خطاب الكراهية.
وخطاب الكراهية هذا أينما كان وأينما تم ترويجه فإنه يطرح تساؤلات لا منتهية وحوارات عقيمة عن مدى قابلية تعايش جزء من الناس مع الآخر بسبب لون بشرته أو بسبب عرقه أو انتماءاته الحضارية والثقافية. ومن هنا دور القادة الدينيين والإعلاميين في مواجهة خطاب الكراهية والتحريض على الآخر، خصوصاً أن تأثيرهم كبير ومهم في التصدي له ونشر خطاب بديل يقوم على التسامح.
قلت في ورقتي إن التحالف الديني الوسطي المتزن مع وسائل الإعلامي لمن الحلول الجذرية التي يمكن أن تساهم في إيقاف ارتفاع درجة حرارة الكراهية، ولأن الدين عام إنساني شامل يستشرف في الإنسان أرقى ما فيه وأسمى ما يمكن أن يصل إليه؛ والسياسة الكاذبة المغرضة تستثير فيه أحط ما يمكن أن ينزل إليه وأدنى ما يمكن أن يهبط فيه وممارسة السياسة الكاذبة وشحنها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يحول المجتمعات إلى حروب لا تنتهي وتصدعات لا تتوقف وصراعات لا تخمد وأتون لا يهمد، فضلاً عن أنها تحصر الغايات في المناصب وتخلط الأهداف بالمغانم وتفسد الضمائر بالعروض.
إن التحالف الديني- الإعلامي لمن الحلول الجادة التي يمكنها أن تواجه الكراهية التي هي داء خطير تأتي على الأخضر واليابس وتعتمد على مرجعيات فكرية مغرضة إذا نمت وتسيست في المجتمع فإنها تصبح داء عضالاً وفيروساً فتاكاً يقضي على أصول التعايش.
وقد صدر عن الملتقى الدولي الناجح «ميثاق جدة للمسؤولية الإعلامية»؛ وتضمن هذا الميثاق 13 بنداً اعتمدتها القيادات والمؤسسات الممثلة في المنتدى، كما صدرت 8 توصيات في نهاية أعمال المحفل الدولي الذي ضمّ حضوراً من كل أنحاء العالم.
وذكر الميثاق في ديباجته أن هناك ضرورة للتعبير عن الإيمان بواجب الرقي بالمنظومة الإعلامية، وبتعزيز شرف الانتماء إلى المهنة، والتأكيد على المواثيق الصادرة من المنظمات الدولية والمؤسسات المهنية، والحرص على احترام حرية الرأي والتعبير في سياق مشروعيتها الحضارية الداعمة لسلام العالم ووئام مجتمعاته الوطنية.
كما لفت الميثاق النظر إلى أهمية ضمان حق الرأي العام في التعرّف على الحقيقة، والوصول إلى المعلومة بوثائقها المقدمة بتجرد وحياد، لا بأطروحاتها المرتجلة والمضلِّلة التي تطفف في شفافية معلوماتها وتُدلس في وثائقها؛ مشدداً على أهمية الاسترشاد بالخبرات التي راكمتها التجارب الإعلامية في الوصول إلى دور مجتمعي حضاري مستنير.
وأكد الميثاق أن احتياجات العصر تتطلب صياغة تحالُفٍ دوليٍّ لإحباط التضليل الإعلامي، وتحسيناً لأداء العمل الإعلامي وجودته وَفْق معاييرَ وضوابطَ تُمثل أخلاقيات الخطاب الإعلامي بأركانها وواجباتها. لذا فإن المشاركين في المنتدى يدعون كافة الإعلاميين حول العالم إلى الالتزام بتلك الأخلاقيات التي تتفق عليها القيم الإعلامية ولا تختلف، بوصفها مشتركاً مهنياً يؤمن به كل من استشعر المسؤولية الإعلامية، بعيداً عن أي أهداف أخرى من شأنها أن تنحرف بالمسار الإعلامي عن رسالته النبيلة.