سهوب بغدادي
«فلان عصبي الله يهديه بس له فقدة» جملة تتردد بين الأصدقاء عند غياب أحدهم، وقد يستغرب القائل من نفسه، أليست العصبية أمرًا غير محمود فلماذا اشتاق للشخص؟ بالنظر إلى الكم الهائل من الأشخاص المهووسين بالمظهر الخارجي، لذا برز سوق عمليات التجميل تباعًا بشكل ضارٍ، بغض النظر عن الجمال الأخاذ، فإن الشخص الحابس للأنفاس قد يسقط عند أول محادثة, بل نفضل عليه شخصًا متواضع الشكل.
إن كلمة المظهر تأتي من الشيء الظاهر للعيان، فالظاهر لا يعكس بالضرورة الباطن والدفين، ودون استثناء، يحتاج الإنسان أن يتم التفاعل معه سواء بالقول أو الفعل أو بإظهار التفاعل، فالروح الحلوة، والطاقة الطاغية، والضحكة العميقة،وردود الأفعال الدافئة أو المساندة، وأساليب التواصل، والذكاء العاطفي، ونبرة الصوت، تركيبة تجعل من الإنسان روحًا يصعب تجاوزها أو تخطيها، ولكن هل يستلزم أن يكون الإنسان المحبوب خاليًا من الصفات والسمات التي تستلزم التحسين كالعصبية أو القلق، أو المزح الثقيل أو التدخل في الشؤون الخاصة، أو كثرة الشكوى؟ وأتبعها بمجموعة صفات أخرى للأشخاص كالحسود، والغيور والخبيث، وصاحب الوجهين، والبخيل، وعديم القيم أو «الإمعة»؟ الإجابة تكمن في المثال التالي: مر صالح بكرب عظيم بعد وفاة أحد أطفاله الخمسة، فوجد صديقة خالد «العصبي جدًّا» يؤازره بشكل غير مسبوق، فلم يكن يتصور صالح أن يكون ذلك العصبي والمنفعل على توافه الأمور صاحب موقف لاينسى وتفهم كبير وتعاطف لما يمر به، في ذات الوقت اشتكى صالح يومًا لأحد المتواجدين في الاستراحة «بدون ذكر أسماء» ويعرف عنه الغيرة والمقارنة، فقال له: «الله يرحمه، الولد بداله ولد» أو «لديك? أحمد ربك» الفيصل في الموضوع بين الشخص العصبي والغيور هو أن المواقف تنفض السمات الظاهرة على السطح للملأ عن جوهر ومعدن الشخص، فالعصبية سمة تقبل التحسين وتحتمل التغيير، أما الغيرة أو البخل فتكون صفات أصيلة ويصعب تحسينها أو التخلي عنها، وهي من منبع ضعف ونقص، أما السمات السلبية الأولى فهي تنبع من محفزات أو ظروف، وما شابه، وقد تنتفي بانتفاء المسبب، أو ببساطة يتعلم الأشخاص التعامل مع هذه السمة وتلافي ظهورها أو التقليل من حدة أثرها، على سبيل المثال، في حالة الشخص الفضولي «الحشري» قد يلجأ البعض للإجابة عن أسئلته إما بشكل سطحي ومقتضب أو الإجابة على بعض الأسئلة وإغفال البعض الآخر، أو تجنب كل ذلك بعدم إثارة فضوله، وجعل الأحاديث عامة وهكذا، ونستذكر على الدوام شخصية «إم زِكي» في مسلسل باب الحارة، فهي فضولية»حشرية» و»نقالة علوم» بلا شك، ولكنها محبوبة ومطلوبة نظرًا لأنها تأتي في وقت «الزنقات» وتقدم خدماتها لنساء الحارة، وتمتلك صبرًا على المتاعب، فقس على الشخصيات من حولك وحاول معرفة السمات التي تنعكس على الشخص المحبوب الذي نقول له «لك فقدة»، ماالذي يقوله أو يفعله و يجعل الطرف امقابل يشعر به؟ قد تكون تصرفات بسيطة كأن يلقي التحية مع ابتسامة كل صباح، أو أن يسألك بلا هوادة وبلا انقطاع «تتغدى معنا؟» وهو يعلم أنك تتغدى مع أم العيال، إلا أن الأمل يشع من عينيه ولم ينقطع، ولسان حالنا يردد «ياقوة صبرك ياشيخ»، أو تلك «الفلانة» التي «كل مازانت الجلسة» أو شعرت بالفراغ بدأت بالترتيب والتنظيف، إنها متفرقات متناهية الصغر وقد تكون غريبة أو مزعجة أحيانًا ولكنها تجعل من الشخص روحًا نحن لها بعد الفراق، ونشتاق لها عند لقائنا بغيرها، لنعرف عندها أن ذلك الشخص له فقدة فعلًا ويشغل حيزًا من الألباب والأماكن دون تكلف أو تصنع منه، فمهما امتلكنا من هفوات وعيوب يجب أن نحرص على الجوهر الأساس الذي يلمع بحق في الأوقات المطلوبة.
«إن الجمال هو الذي يثير اهتمامك، أما الشخصية هي التي تستحوذ على قلبك» أوسكار وايلد.