أ.د.عثمان بن صالح العامر
في بودكاست (سقراط) يسأل المقدم الدبلوماسي السعودي المعروف: عبدالله بن يحيى المعلمي عن سر الدعم الأمريكي اللا محدود للكيان الصهيوني المحتل، مع أن هذا الصنيع يتناقض على الأقل ظاهرياً مع الخطاب الأمريكي، والمبادئ المعلنة من البيت الأبيض، وربما أحرج الرؤساء والساسة؟.
ويجيب المعلمي بقوله: (لو عرفنا الجواب على هذا السؤال لكنا أخذنا جوائز الدنيا كلها، لكن أنا تفسيري الوحيد لهذا الموضوع هو تفسير انتخابي، فتغلغلهم في الحزبين معاً جعل لهم نفوذاً وتأثيراً مباشراً في هذا الموضوع بالذات، فاللوبي الصهيوني مؤثر في القرار داخل البيت الأبيض، وله دور سياسي قوي خاصة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، ثم يسترسل في تفاصيل هذا الدور ويبين عمق الأثر الذي يحدثه اليهود عالمياً.
وإجابة على هذا التساؤل الذي يدور في ذهنية الأغلبية منا يقول باحث أمريكي إجابة عليه، ما نصه: (... إنني لا أنكر تعاطفي مع إسرائيل، ولا أنكر تعاطف كثير من المثقفين الأمريكيين نحوها، ولكن من واجبكم أن تعرفوا وتدرسوا عقليتنا نحن الأمريكيين ذلك لأنّ فهم هذه العقلية يساعدكم كثيراً على التعامل معنا، وفهم مواقفنا، وكيف نتخذها، وكيف نعدّل فيها أو نغيّرها. كيف جئنا أمريكا؟ كيف استولينا على الأرض؟ كل أصولنا أوروبية، وحديثي عن القوى التي تقرّر مصير أمريكا، وجدنا في هذه الأرض حضارات قائمة: الأنكا، الأزتك، المايا، وجدنا مدناً وشعوباً وثروات فدمّرنا الحضارات، وأبدنا الشعوب، وهدمنا المدن، واستولينا على الثروات، نقلنا منها ما استطعنا إلى أوروبا، وكانت لنا ولأجدادنا داراً وهذه مرحلة.. ثم آثرنا أن ننشئ لنا حياتنا المستقرة في هذا العالم الجديد، ولم يكن لنا في هذه الأرض حق، الكلمة الأولى والأخيرة كانت للقوة، للسلاح الذي نمتلكه ولا يمتلكه الهنود الحمر الذين لم يكونوا هنوداً، ومع هذا أطلقنا عليهم هذا الاسم ولا يزال لاصقاً بهم.
كان الهنود الحمر يشعرون دائماً أنهم أصحاب الحق والأرض، فلا بد – في نظرنا - أن نبيدهم إلاّ قليلاً، فهؤلاء إذا ظلّوا بأعدادهم الكبيرة واكتسبوا العلم سيطالبون بحقوق كثيرة، فكانت إزالتهم من الطريق ضرورة لتكوين الدولة الجديدة.
واحتجنا إلى بشر يعملون في حقول الجنوب فجلبنا الإفارقة من قارتهم قهراً واستعباداً، وكانت رحلاتهم من إفريقيا إلى العالم الجديد ونظام حياتهم فيه لا تحركه إلاّ مصالحنا ومطامعنا.كانت سفن الرقيق سجوناً متنقلة والحكم فيها عسكرياً صارماً، الموت والحياة فيها بكلمة من القبطان، وبهذا أفرغنا قارة بالإبادة ونقلنا جزءاً من قارة بتجارة الرقيق. وعندما أردنا توحيد الولايات كان هذا بالحرب، وحينما ألقينا بثقلنا في المعترك العالمي وأردنا حسم الحرب في الشرق الأقصى، كان هذا بإلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما في اليابان يوم السادس من أغسطس 1945م، وفي اليوم التاسع من الشهر نفسه في ذات العام على نجازاكي، وباسم ما نملك من قوة بسطنا نفوذنا في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.. هذه باختصار اللغة التي تعاملنا بها، «لغة القوة» ولا بد لها من جهود علمية وسياسية وثقافية.. وكل هذه تصب في نهر القوة الذي نؤمن به.ما الذي فعله الإسرائيليون في أرضكم؟ تماماً كما فعلنا نحن في أرضنا، بالقوة أزاحوا السكان، قتلوا، نسفوا، سكنوا، وأيديهم على سلاحهم، فالشّبه بيننا وبين الإسرائيليين لا بيننا وبينكم..انظر إلينا – حتى في لهونا - كرة القدم الأمريكية حرب وصراع، المصارعة الحرة قريبة من لذّة الرومان بالصراع الدموي العنيف. لماذا ازدهرت الملاكمة عندنا؟ عنصر القوة لدينا واضح حتى وقت التسلية، العنف جزء من حياتنا، لماذا تجذبنا حتى الآن – وهذا الكلام طبعاً مر عليه نحو 55 عاماً – أفلام رعاة البقر وأفلام العنف مع أنها تنتهي بانتصار القوي؟ إنها صورة قهر الإنسان للإنسان، وقهر الإنسان للبيئة، وانتزاع ما عند الغير بالقوة..أقول لكم: حاربوا إسرائيل، وإذا أثبتم القوة احترمناكم، هل انتصرنا في كوريا؟، هل انتصرنا في فيتنام؟ هل انتصرنا في كوبا؟ كثيرة هي الهزائم السياسية والعسكرية لمن أيّدناهم، ولا تزال إسرائيل الورقة الرابحة في أيدينا، الورقة التي هزمتكم وأنتم في النظام الملكي عام 1948 وفي النظام الجمهوري عام 1956 وفي النظام الاشتراكي عام 1967.
لن نتحرك إلاّ إذا كان الموقف ساخناً، ونحن دائماً نصفّق للمنتصر ونحترمه، فأثبتوا قوّتكم، هذا هو سبيلكم الوحيد، وإلاّ فارضوا بالأضواء الملوّنة، وقرارات الأمم المتحدة.. الاختيار الوحيد أمامكم: «القوة أو المسرح.. اختاروا اللغة ومكان الحدث).
شخصياً لا تعليق فأنا لست خبيراً استراتيجياً ولا محللاً سياسياً.. ولكن ما أعتقده حقاً هنا أنّ امتلاكنا القوة بدلالتها الواسعة العقدية والعلمية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وصولاً للقوة السياسية ومن ثم العسكرية، أمر ضروري من أجل صناعة الحياة وضمان البقاء، بل الوصول إلى المربع الذهبي في نادي الأقوياء، في عالم لا يعترف ولا يجيد ولا يفهم إلاّ لغة القوة، هذه الوصفة إن كانت ضرورية فيما مضى فهي أكثر ضرورة وأعظم أهمية اليوم، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.