على هامش مؤتمر البحرين المسرحي في نسخته الثانية (من 4 نوفمبر إلى 10 نوفمبر الماضي 2023م) والذي تولى الإعداد له الدكتور «إبراهيم غلوم»، بعد انقطاع أربع سنوات لظروف كثيرة، ثم وافته المنية فجأة خلال فعالياته قبيل انطلاقته مباشرة، وأصبح المهرجان يسمى باسمه، التقت الدكتورة هدى عبد العزيز من السعودية بأحد تلاميذه وهو الدكتور «عباس القصاب»، وذلك خلال حضورها لفعاليات المهرجان فجاء هذا الحوار.
الدكتور عباس القصاب
* عرّف بذاتك دكتور عباس لجمهور الرياض العريض في نبذة قصيرة جداً؟
- الدكتور «عباس حسن عيسى القصاب» من مواليد عام 1965 م بالمنامة، كاتب وباحث في النقد المسرحي والأدبي والتربوي، لي عدة مؤلفات فيه ودراسات ومقالات منشورة في النقد المسرحي والأدبي والتربوي، ولي عدد من الندوات الفكرية والتطبيقية المسرحية والأدبية سرداً وشعراً، من أعمالي مجموعة مسرحية بعنوان «على جناح يمامة»، ومجموعة قصصية بعنوان «وعند جهينة»، وديوان شعر بعنوان «سجايا»، وشاركتُ تحكيماً في مهرجانات مسرحية. كان لي شرف التتلمذ للقامة البحرينية والخليجية الدكتور «إبراهيم غلوم» في مرحلة البكالوريوس، وكان يشد على يدي دائماً بإنسانيته وحبه لتلاميذه.
البحرين ونشأة المسرح الخليجي
* ما الدولة التي لها فضل الريادة في تأسيس المسرح على مستوى الخليج؟
- كان للبحرين فضل الريادة للمسرح على مستوى الخليج، وذلك عام 1925م، من خلال المسرح الرسمي والمدرسي والأهلي، ومن الطبيعي أن يؤثر ويتأثر في المسارح الخليجية من حيث التمدد والانحسار والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعد ذلك.
إبراهيم غلوم والمسرح الخليجي
* ما الإنجازات التي قدمها «إبراهيم غلوم» للمسرح البحريني خاصة والخليجي عامة كونك أحد تلاميذه الأوفياء، ونحن نعيش أزمة فقده قريبة العهد؟
1 - الدكتور «إبراهيم غلوم» ربان المسرح البحريني الحديث لما له من بصمات وإنجازات واضحة جداً في التأسيسات المسرحية خاصة، فهو الناقد المسرحي الأول في الخليج بلا منازع، فقد بدأ النقد المنهجي الخليجي عام 1986م، عبر كتابه «المسرح والتغير الاجتماعي في الخليج» مؤصلاً للنقد الخليجي والتجارب المسرحية في البحرين والكويت الشقيقة من خلال هذا الكتاب بمنهج سوسيولوجي حديث في قالب علمي تماماً، وهذا الكتاب لا غنى عنه لأي باحث مسرحي.
2 - كان يرأس «اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون الخليجي» من أول دورة إلى عام 2023م، وهو عام وفاته غفر الله له، فهو مؤسسها ورائد الفكرة والإداري القيادي لها.
3 - وضع الدكتور «غلوم» الإطار العام لليالي البحرين المسرحية، وأيضاً هذا المهرجان «مهرجان البحرين المسرحي في نسخته الثانية» أحد نتاجات جهوده الخاصة، وقد توفاه الله قبيل أن يرى ثماره وحزننا كبير لذلك.
4 - كتب «غلوم» نصوصاً مسرحية عميقة الدراما، منها: مسرحية «الخيول» وقد مُثلت كثيراً في كل مدن البحرين لملامستها قلوب الناس.
5 - كان حريصاً رحمه الله على إصدار أحد عشر كتاباً يضم الأوراق المسرحية المقدمة من كل الخليجيين في مؤتمرات وملتقيات المسرح الخليجي، ووضع لها المقدمات التي تؤصل عناوينها وتنظم فهارسها وموضوعاتها.
ومن هنا نؤكد أن «غلوم» غفر الله له كان رائداً مسرحياً للمسرح الخليجي باختيار كفاءات تمثل دول الخليج في سابقة لم يتقدم بها سواه.
6 - أسّس «غلوم» فرقة «أوال» وهي أهم فرقة خليجية تاريخياً (تاريخ التأسيس: تأسس مسرح أوال في سبتمبر 1970م، وكان في البداية باسم «المسرح البحريني» وبعد عام واحد من التأسيس تغير الاسم إلى مسرح «أوال»)، إضافة إلى أنه أسس «أسرة الأدباء البحرينية» (تاريخ التأسيس: 1969م)، وبقي رئيساً لها عدة دورات.
7 - أسس «غلوم» لوائح وتشريعات وأنظمة «مسرح الطفل» بشكل خاص لـ «اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون الخليجي»، ولكن لظروف معينة لم تُقر؛ لتوقف المهرجان والأمر خارج عن يديه، وما تزال تلك التشريعات محفوظة في مكتبات خاصة لدى تلاميذه الأوفياء، ولعل القادم يأذن بنشرها إن شاء الله تعالى.
العلاقات الإنسانية عند غلوم رحمه الله
* كونك أحد تلاميذ «غلوم» رحمه الله كيف كانت طريقة تعامله مع تلاميذه؟
- كان «غلوم» رجلاً متواضعاً جداً ومحباً ومخلصاً في المشورة لتلاميذه، ويدعمهم بأعمال مناسبة في لجانه، فعلى سبيل المثال كلفني بأن أكون مسؤولاً عن الأرشفة الإلكترونية في «اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون الخليجي»، إضافة إلى ذلك شجعني على كتابة القصة القصيرة، ثم الاهتمام بنشر نتاجي الأدبي، ومن الأمور التي كان يدعمني بها جانب التحكيم وتنمية الحس النقدي لديّ، إضافة إلى حبه الشديد إلى كل دول الخليج، وعشقه لتشكيل وحدة مسرحية خليجية في كل مؤتمر من الأسماء الفعالة في المسرح في كل دولة من دول الخليج، كان لديه ولاء كبير للخليج ودعم منقطع النظير لإعطاء الفرص للجميع رحمه الله، وأنا على ثقة بأنه رجل له أعمال إنسانية خفية أخرى لم يكن يرغب في إظهارها لأحد بحكم قربي منه وفهمي لشخصيته، ورغم أمراضه المزمنة التي كان يعاني منها منذ زمن، لكنه لم يكن يتوانى عن العمل والنتاج المسرحي قط حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، لقد فقد الخليج كله رجلاً وفياً له وللمسرح الخليجي.
الحراك المسرحي السعودي وأثره على الحراك المسرحي الخليجي عامة
* من وجهة نظرك: ما أثر ما نشهده من حراك مسرحي قوي في السعودية على المسرح الخليجي؟
- ما تشهده الساحة السعودية في مجال المسرح بدعم من سمو الأمير «محمد بن سلمان» حفظه الله حالة متقدمة تكنولوجياً وطاقات بشرية متنوعة وتجارب في الأداء نوعية أيضاً، والدعم المقدم للمسرح السعودي يتمنى كل خليجي أن يحظى به في بلاده، وذلك لتسخير الكثير من الإمكانات والميزانيات والبنى التحتية من أجل مسرح متطور جداً، وهذا ما يحدث فعلياً بمراحل حيوية من حيث الكم الكبير والامتداد على الساحة الجغرافية السعودية، والآن تعرض مئات العروض المسرحية طوال شهور السنة وهذا يعطي نشراً للثقافة المسرحية عند كل الجمهور ووعيا بأهمية المسرح وأدواره في نشر الثقافة والفكر في كافة مناحي الحياة، وكل ذلك يعطي حافزاً كبيراً من الناحية الرسمية والوسط الفني عند كل الدول الخليجية والعربية أيضاً؛ للوقوف على أسباب هذا النجاح الكبير وكيفية الاستفادة منه في بقية دول الخليج والدول العربية الأخرى، ولذلك قدّم «سلطان النّوه» المؤلف المسرحي من السعودية ورقة علمية عن التجربة السعودية في دعم المسرح رسمياً ومجتمعياً من خلال الندوة الفكرية المنعقدة بتاريخ 4 نوفمبر 2023م.
الناقدة المسرحية والغياب عن المهرجانات الخليجية
* لماذا نشهد عادة غياب المرأة الناقدة المتخصصة من دول الخليج الأخرى عن التحكيم والنقد والمداخلات النقدية والورش المسرحية حضوراً وعدداً أيضاً؟
- لا أجد استبعاداً للمرأة الخليجية في هذا المهرجان الحالي، فقد أضفنا له حالياً الأستاذة القاصة «زهراء المنصور» من البحرين، والتي تتناول أحد العروض نقداً ودراسة منهجية، وهي تمتلك حساً نقدياً متميزاً؛ لخبرتها في قراءة النصوص المسرحية منذ زمن بعيد، والنقد في حاجة ماسة إلى التذوق العميق، وليس شرطاً بأن يحصل الناقد على جوائز أو ينتج لنا مؤلفات مختلفة ليزاول النقد بأنواعه للنص الأدبي والعروض المسرحية معاً من وجهة نظري، كما إنها ناقدة رصينة.
ونأمل مشاركة المرأة الخليجية من الدول الأخرى في المهرجانات القادمة إن شاء الله بأعداد أكبر، وكون الميزانيات حالياً في البحرين غير قادرة على تغطية تكاليف زيارات خارجية من جهة، وصعوبة أوضاع المرأة وغيابها عن أسرتها من جهة أخرى، فإننا لم نستضف ناقدات من الدول المجاورة الشقيقة.
الأرشيف المسرحي الخليجي
* لماذا يغيب أرشيف علمي منهجي سهل وفي متناول الجميع في النقد المسرحي؟
- باعتباري المسؤول عن الأرشيف الإلكتروني «اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون الخليجي» استطعتُ أن أنشئ قاعدة بيانات رقميّة ضخمة تضم كل فعاليات المهرجانات بصورة خاصة، ونظراً لخروجي من اللجنة لم يُستكمل المشروع، ونوصي بإكماله وتحويله إلى تطبيق سهل شبكي يصل إليه كل الباحثين العرب والمهتمين بالمسرح الخليجي من كل الدول العربية والعالمية، أو يُحوّل إلى رابط وموقع شبكي يسهل الوصول إليه.
فرقة مسرحية خليجية واحدة
* لماذا رغم كل الجهود الفردية المبذولة لا نرى فرقة مسرحية واحدة أعضاؤها من كل دول الخليج؟
- نرجو من «اللجنة الدائمة للفرق المسرحية الأهلية في دول مجلس التعاون الخليجي» التي ستعقد قريباً في الرياض أن تطرح هذا المقترح الجميل والمهم جداً للمسرح الخليجي في اجتماعاتها، فهذه الفرقة قادرة على التعبير عن القواسم المشتركة بيننا نحن أبناء الخليج بطريقة فنية رفيعة، فتذوب كل المتباعدات ونشكل روحاً واحدة، فالفن قادر على تغيير الحياة إلى الأفضل في خليجنا الواحد. إضافة إلى أن صوتنا الخليجي الواحد سيكون قناة واحدة للتعبير القوي أمام المسارح العالمية في كل المناسبات العربية والدولية.
** **
- متخصصة في فلسفة الأدب والمسرح