د. إبراهيم بن جلال فضلون
(عُدوانيون، مُتكبرون، جهلة، مُتخمون، رديئو الذوق، ماديون، مهووسون بجمع المال، بغيضون بشكل عام)، ليست كلماتي، بل وشهد شاهد من أهلها، إنه «ويليام راسل ميلتون»، المغترب الأمريكي، ووافقه عالم الاجتماع الأميركي الهنغاري الأصل بول هولاندر وصف العداء لأميركا بأنه «الاندفاع الحثيث لانتقاد المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية، وقيم ومبادئ الولايات المتحدة، بل وأجملها العالم السياسي الألماني جوزيف يوفه في خمسة جوانب كلاسيكية لهذه الظاهرة:
- استصغار الأميركيين إلى مجرد صور نمطية.
- الاعتقاد بأن للولايات المتحدة طبيعة شريرة متأصلة.
- تحميل الولايات المتحدة مسؤولية إنشاء قوة تآمرية واسعة بهدف السيطرة على العالم.
- تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن كل الشرور التي أصابت العالم.
- العمل على الحد من التأثير الأميركي عبر مقاطعة الأفراد أو المجتمع لمنتجاتها وممارستها «الملوثة».
فالأولى تؤكد أن الجذور الأصلية لا وجود لها كونهم من عدة أجناس أوربية بعد اكتشاف الأميركتين، ومحو الهنود الأصليين منها، وهو ما يؤكده البند الثاني بطبيعتهم الهمجية، وعلى أرض الواقع ومن خلال ما فعلوه ويفعلونه بالعرب والمسلمين ولا أدل على ذلك أكثر إلا في المجزرة اليهودية الأمريكية الغربية المستبدة في أطفال غزة، والمجيء بكامل عتادهم وما في جواربهم من حيَّات سامة، ورغم ذلك فلا نصر لهم للآن على قطاع صغير هو أكثر مناطق العالم سكاناً، ليكون البند الثالث والرابع حملاً ثقيلاً قد كشفته حرب غزة وتهجيرهم على العاتق الدولي والأمريكي الذي لا خير فيه إلا بقطع رأسه من الوجود، كونه السبب الأول ولا غيره في ما أصاب العالم حديثاً منذ إلقاء القنبلة الذرية على ناجازاكي وهيروشيما في نهاية الحرب العالمية الثانية أغسطس 1945، وما شاكل هيبتها في أفغانستان، والعراق وسوريا ولبنان وليبيا وكانوا يُريدونها بمصر والآن شعب غزة الصامد.
إن السبب الأدهى والأخطر أن إسرائيل تستفيد من علاقتها بالأم الأمريكية دون فطام للآن، وهنا ما الفائدة العائدة على الأمريكان؟ لا شيء فقد ظهر استطلاع للرأي في ديسمبر 2009 بتكليف من مركز بيو للأبحاث أن 49 % من الأميركيين يعتقدون أن الولايات المتحدة، يجب أن تهتم بشؤونها الخاصة بدل تعاملها مع شؤون العالم، حيث يمثِّل هذا الرقم زيادة بـ 30 % عن ديسمبر عام 2002.. ليزيد الهروب الأمريكي والخروج المُهين من أفغانستان، فالسياسة الأمريكية الغربية الماسونية لا تعتد إلا بمحو فلسطين، تلبية لمطالبها المزعومة، لكن الخوف داخلهم مما يجعلهم في حيرة بلا نصر، بل هزيمة بخذلان، حيث رأى 51 % من الأمريكيين عام 2009 أن على إسرائيل أن تقبل بدولة فلسطينية، في حين أن 12 % يتعاطفون مع الفلسطينيين.. فما بالك بالنسبة حالياً بعد تكالب العالم على أهل غزة بعد طوفان الأقصى 7 أكتوبر، فبعد 22 عاماً، ولم تنته حروبها، ظانين أنهم يستطيعون فرض أجنحتهم الواهية على خارطة العالم الجديد، الذي لم ير إلا الدمار والهوان من أسلحتهم وكأن البشر سوق للتجارب، وتقنياتهم التي لم تستطع صد هجمات المسلسل الدامي في 11 سبتمبر 2001 .
إن غزة حفرة أسقطت شعبية بايدن الذي سار في الهوة الإسرائيلية ورئيس وزرائها نيتنياهو لتتهاوى إلى 70 % من شباب الناخبين الأمريكيين ممن يرفضون سياسته تجاه الحرب في غزة، وأطفالها لصلاح «المدللة» التي تأكل من «خيرات وقوت» الأمريكيين، بل وصل معدل شعبية بايدن إلى أدنى مستوى له منذ بداية رئاسته عام 2021 إلى 40 % فقط، فبين رحى «نصر طوفان الأقصى، وهزيمة السيوف الحديدية بتحالفاتها الدولية».. فشل أمريكي دولي وموت للقوانين الدولية ومجلس الأمن وانهيار العلاقات الإنسانية التي لم ترحم أجنة غزة في مستشفياتها.
بل أكد استطلاع رأي للأميركيين أجرته شبكة «cbc» الأميركية، أن قطاعًا واسعًا من الأميركيين لا يتوافقون مع سياسات البيت الأبيض، فهناك 56 % لا يوافقون مع تعامل بايدن في الأزمة الراهنة، في حين يعتقد 53 % أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن ترسل لإسرائيل المزيد من الأسلحة، وقد أيّد 70 % من الديمقراطيين ضرورة إرسال مساعدات إنسانية أميركية إلى قطاع غزة، وأرسل أكثر من 400 موظف في الكونغرس، معظمهم من اليهود والمسلمين، رسالة لبايدن تدعوه إلى وقف فوري لإطلاق النار، وليجد حزب بايدن انقساماً بسبب ذلك، وردد العديد من أعضاء الكونغرس اليساريين نشر رسالة البابا فرانسيس، عن الأوضاع الصعبة في غزة، ودعوته إلى «إسكات أصوات الأسلحة».
إنها مغامرة كونيّة حاولت الأنظمة الماسونية أن تقلب الموازين ضد العالم، مثلما يتحكمون بالعالم المادي واقتصادياته، ونُهب خيرات العالم بزُرع الإرهاب عبر (تنظيم القاعدة وحلفائها، وتنظيم الإخوان وميليشياتها، التي أزهقت أرواح الشعوب الإسلامية العربية، وفي ذلك هُم لا يفقهون ما يفعلون، متناسين حقيقة الحرب، وأن بداياتها ونهاياتها أمور لا يُقررها طرف واحد، فقد اعتراف ديفيد فون دريهل في مقاله بواشنطن بوست أن الدرس من تلك الأحداث أصبح معروفًا، وأن الحملات ضد المسلمين قد انكشف غطاؤها لكننا لم نعد نتحكم في إنهاء الحرب مثل سيطرتنا على بدايتها، ورغم حملات التشويه للإسلام ومُسلميه..، رغم أن كل الرؤساء الأميركيين منذ بوش الأب أرادوا إنهاء الحرب، وهو ما أعلن عام 2003 أن «المهمة أنجزت»، ووعد أوباما بإنهاء الأمور، وكررها ترامب وتفاوض على انسحاب القوات من أفغانستان، وزاد بلتها عاراً جو بايدن بالانسحاب في الذكرى العشرين لتلك الأحداث، فالأميركيون تعبوا، وملَّ العالم من غزواتهم الفاشلة.