د. محمد بن أحمد غروي
دائمًا ما يثير مستقبل الأبناء ومسارهم المهني والمعرفي قلق الوالدين، خاصة عندما نعلم تنافس الخريجين على شغل الوظائف، في ظل تنافسية عالية تتضمن كفاءة ومهارات عالية وقدرات تؤهل شاغلها للفوز بها، ويبقى السؤال الكبير هو: كيف أعد أبنائي للمستقبل؟
دأبت بعض المراكز والمعاهد في الشرق الآسيوي في تنشئة الصغار وتأسيسهم ليكونوا «أطفال سوبر»، بتعزيز قدراتهم على مواكبة احتياجات سوق العمل الجديد، والتأهيل الحقيقي للمستقبل، فهو اتجاه يُؤخَذ بعين الاعتبار لدى الأسر في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة، لصناعة أطفالهم ليكونوا أكثر ذكاءً وكفاءة، من خلال حاضنة تربوية ومعاهد متخصصة أُنشِئَت خصيصًا لذلك، ويمكن الإشارة هنا على سبيل المثال إلى مركز هيجورو التعليمي بسنغافورة وسمارت كيدز بماليزيا وغيرها.
بحسب الدراسات الحديثة، يتمتع الطفل بحوالي 100 مليار خلية دماغية، وتنمو تلك الروابط المتصلة لهذه الخلايا بمعدل هائل خلال الأشهر القليلة الأولى من حياته، محفزة هذا النمو جزئيًا عبر نشاط المسارات العصبية المؤدية إلى الدماغ، فكلما زادت المحفّزات التي يحصل عليها الطفل من خلال مستقبلات حواسه، زادت أنشطة مساره العصبي، وبالتالي زادت الروابط بين خلايا الدماغ، مما يساعد على بناء دماغه، وإنتاج طفل أكثر ذكاءً.
أظهرت أبحاث أن دماغ الطفل لديه قدرة على تكوين اتصالات عصبية جديدة، بالتزامن مع تطوره حيث تشكل جيناته جنبًا إلى جنب مع تجربته مع العالم الخارجي، موائمة مزاجه وشخصيته التي ستحدد كيفية ومدى تعلمه، فالدماغ يبدأ في التكون خلال فترة الحمل، لهذا تُنصح الأمهات بتجنب المواد الضارة بنمو دماغ الطفل، والتركيز فقط على التغذية الكافية التي تفيد نموه، مثل حمض الفوليك وزيت السمك.
ومن النصائح الآسيوية الأخرى إبان فترة الإرضاع، تناول أغذية تسهم في بناء الدماغ، وشحنه عاطفيًا بالمحبة الشعورية التي يحتاجها ليشعر بالأمان، وعدم تركه يبكي لفترة، لأضرار الاجهاد على دماغه، إذ يملأ كثرة البكاء بالسموم الكافية لوأد خلاياه العصبية.
وينصح خبراء الشرق الآسيوي بممارسة الأنشطة واللعب مع أطفالنا في مرحلة عمرية مبكرة تسهم في تحفيز الدماغ وحواسه، وأيضًا القراءة له، وإن لم يكن يفهم الكلمات، لكن صوت الوالدين محبب له مع التحفيز البصري، مما قد يساعد على جعل القراءة تجربة ممتعة له في الكبر، بجانب التعرف على مزاجه لفهم طبيعته، حيث تعزّز شعوره بالأمان والثقة في النفس.
وقد أجمعت دراسات عديدة على أهمية التحدث مع الأطفال للارتقاء بمستوى ذكائهم، وأثبتت الأبحاث أن النجاح الأكاديمي والذكاء للطفل مرتبط ارتباطًا وثيقًا بعدد المفردات التي سمعها عندما كان طفلًا، ويسمع الأطفال في الأسر الثرية حوالي 30 مليون مفردة قبل سن الرابعة أي بأكثر من 70 في المائة من الأطفال ذوي الطبقة الفقيرة مما يترتب عليه فجوة في المفردات. وقد نشرت مجلة «Pedriatrics» - طب الأطفال - دراسة، تُفيد بأن الأمهات يتحدثن لأطفالهن أكثر من الآباء، فيما يقترح باحثون زيادة إسهام الآباء في التحدث مع أطفالهم لإفادة ذكاء الأطفال، والتظاهر بفهم ما يقوله؛ لأن ذلك يساعده على تطوير لغته.
ومع بداية دخول الأطفال الصغار إلى المدارس، فإن الطفل يحتاج لألعاب الذكاء، التي تحفّز نشاط الدماغ، ومن الممكن أن تحوي تطبيقات الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية ألعابًا تعليمية فعالة، بيد أن التفاعل المباشر مع الطفل من لدن الوالدين أفضل، لأن الآلات ليست فعالة كالبشر في بناء أدمغة أطفالنا، كما أن التعلم الحقيقي أكثر قبولًا وتفاعلًا، لذا فإن إدمان الألعاب ومشاهدة مقاطع الفيديو للأطفال تؤثر سلبًا على الطفل، بل تجعله أكثر عرضة للغباء.