سهوب بغدادي
فيما تعج مواقع التواصل الاجتماعي في يومنا بطرق ووسائل وخلطات سحرية لضمان الوصول إلى الغنى وكسب الأموال بأبسط وأسرع طريقة، حيث ترددت إجابات الأطفال والمراهقين على مسامع المربين عند سؤالهم عن طموحاتهم المستقبلية ووظيفة الأحلام، فيأتي الرد كالآتي: «أبغى أصير مشهورا» إذ اقترنت الشهرة بنمط الحياة المريح والرفاهية والترفيه، وأضحى الأغلبية يمتلكون عملاً جانبياً بالإضافة للوظيفة الرسمية للارتقاء بالمستوى المعيشي للفرد والمجتمع، وتتناثر أحلام الكبار والشباب والشابات على غرار ما قاله اليافعون، فهذا يتمنى أن يمتلك تلك السيارة الفارهة، وذاك يرغب بمبالغ طائلة في حسابه البنكي دون هدف، وتلك الفتاة ترفض كل عريس لأنه دون المستوى المطلوب، لم نعد نستغرب من هذه الأماني والمطالب، فلقد أصبحت تتداخل في نمط حياتنا وتقييم الشخص، بحيث تلعب العلامة التجارية لكل شيء تقتنيه دورًا في تقييمك، ابتداءً من حذائك -أعزكم الله- وصولًا إلى الحي الذي تسكنه، إنها طموحات وآمال مادية، وتتعدى المظهر لتشمل الأرقام، عدد المتابعين «الفلورز»، لذلك نرى عددًا من الممارسات غير القانونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل المثال لا الحصر، «خدمة زيادة المتابعين، و»خدمة توثيق الحساب» و»خدمة التفاعل على المنشورات» والمتابعون «حقيقيون»، على حد تعبيرهم، فما الذي يدفعني للوثوق في شخص مجهول يطلب مني المال بأكثر الطرق ريبة؟ لابد أن يكون المقابل مهمًا جدًا، في سياق متصل، سمعت أحد رواد الأعمال المتحدثين على اليوتيوب يقول إن الوظيفة سبب الفقر ولن تصبح غنيًا إذا مكثت في تلك الوظيفة التقليدية، فيجب أن تنمي أموالك في «بزنس» أو أسهم، بغض النظر عن مدى صحة المعلومة من عدمها، فإن تعريف الشخص للغنى غير صحيح، حيث قال «لن تركب رولز ولن تذهب لمطعم بألف ريال»، فهل هذا التعريف الصحيح للشخص الغني؟ إن الغني هو من يملك الأساسيات ويتمكن من توفيرها دون عناء، أليس هذا الأمر ينطبق على صاحب الوظيفة التقليدية؟ في المقابل، الثراء في أغلب الأحوال مستدام، أي أن يولد الشخص في أسرة ذات مستوى مرتفع جدًا، أو أن يكون شخصًا سعى وحارب وضارب للوصول إلى رقم معين، وفي لحظة الوصول لن يهنأ لأن الثروة لن تكون مستدامة ويتحتم عليه السعي بشكل أكبر وأكثر قوة للحفاظ وتنمية تلك الأموال، فالثراء أصبح هاجسًا للكل، ولكن يخفى عليهم الدهاليز المعتمة التي تترافق مع الشخص خلل رحلة الثراء، من وقت وجهد وذكريات مع الأهل والأبناء، والأهم من ذلك كله، راحة البال والسكينة وإعطاء النفس حقها من الراحة وممارسة الهوايات، بالنسبة لي، أفضل أن أكون شخصًا عاديًا من الناحية المادية وسأقوم باستثمار وقتي وجهدي لتنمية أمر أهم من أرقام الحساب البنكي، ألا وهو «أنا».